الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ جَآءَ آلَ فِرْعَوْنَ ٱلنُّذُرُ } * { كَذَّبُواْ بِئَايَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عِزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ } * { أَكُفَّٰرُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَٰئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَآءَةٌ فِي ٱلزُّبُرِ } * { أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ } * { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } * { بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَٱلسَّاعَةُ أَدْهَىٰ وَأَمَرُّ } * { إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ } * { يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ } * { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } * { وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِٱلْبَصَرِ } * { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَآ أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } * { وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي ٱلزُّبُرِ } * { وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ } * { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ } * { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ }

وقصة فرعون وملئه مع موسى - عليه السلام - قد تكررت فى سور متعددة، منها سور الأعراف، ويونس، وهود، وطه، والشعراء، والقصص. وهنا جاء الحديث عن فرعون وملئه فى آيتين، بين - سبحانه - ما حل بهم من عذاب، بسبب تكذيبهم لآيات الله - تعالى -، فقال - سبحانه - { وَلَقَدْ جَآءَ آلَ فِرْعَوْنَ ٱلنُّذُرُ }. والمراد بآل فرعون أقرباؤه وحاشيته وأتباعه الذين كانوا يؤيدونه ويناصرونه. والنذر " جمع نذير، اسم مصدر بمعنى الإِنذار، وجىء به بصيغة الجمع، لكثرة الإِنذارات التى وجهها موسى - عليه السلام - إليهم. أى والله لقد جاء إلى فرعون وآله، الكثير من الانذارات والتهديدات على لسان نبينا موسى - عليه السلام - ولكنهم لم يستجيبوا له.. بل { كَذَّبُواْ بِئَايَاتِنَا كُلِّهَا } أى بل كذبوا بجميع المعجزات التى أيدنا موسى - عليه السلام - بها، والتى كانت تدل أعظم دلالة على صدقة فيما يدعوهم إليه. وأكد - سبحانه - هذه المعجزات بقوله، كلها للإِشعار بكثرتها، وبأنهم قد أنكروها جميعا دون أن يستثنوا منها شيئا. وقوله { فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عِزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ } بيان لشدة العذاب الذى نزل بهم إذ الأخذ مستعار، للانتقام الشديد، وانتصاب { أَخْذَ... } على المفعولية المطلقة، وإضافته إلى " عزيز مقتدر " من إضافة المصدر إلى فاعله. والعزيز الذى لا يغلبه غالب، والمقتدر الذى لا يعجزه شىء يريده. أى فأخذناهم أخذا لم يبق منهم أحدا، بل أهلكناهم جميعا، لأن هذا الأخذ صادر عن الله - عز وجل - الذى لا يغلبه غالب، ولا يعجزه شىء. ووصف - سبحانه - ذاته هنا بصفة العزة والاقتدار، للرد على دعاوى فرعون وطغيانه وتبجحه، فقد وصل به الحال أن زعم أنه الرب الأعلى.. فأخذه - سبحانه - أخذ عزيز مقتدر، يحق الحق ويبطل الباطل. وبعد هذا الحديث المتنوع عن أخبار الطغاة الغابرين، التفتت السورة الكريمة بالخطاب إلى كفار مكة، لتحذرهم من سوء عاقبة الاقتداء بالكافرين، ولتدعوهم إلى التفكر والاعتبار، فقال - تعالى - { أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَآءَةٌ فِي ٱلزُّبُرِ }. والاستفهام للنفى والإِنكار، والمراد بالخيرية، الخيرية الدنيوية، كالقوة والغنى والجاه، والسلطان، والخطاب لأهل مكة. والبراءة من الشىء التخلص من تبعاته وشروره، والمراد بها التخلص من العذاب الذى أعده الله - تعالى - للكافرين، والسلامة منه. والزبر جمع زبور، وهو الكتاب الذى يكتب فيه. والمعنى أكفاركم - يا أهل مكة - خير من اولئكم السابقين فى القوة والغنى والتمكين فى الأرض..؟ أم أن لكم عندنا عهدا فى كتبنا، بأن لا نؤاخذكم على كفركم وشرككم..؟ كلا، ليس لكم شىء من ذلك فأنتم لستم بأقوى من قوم نوح وهود وصالح ولوط، أو من فرعون وملئه، وأنتم - أيضا - لم تأخذوا منا عهدا بأن نبرئكم من العقوبة عن كفركم.

السابقالتالي
2 3 4