الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِٱلنُّذُرِ } * { إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ } * { نِّعْمَةً مِّنْ عِندِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ } * { وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْاْ بِٱلنُّذُرِ } * { وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ } * { وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ } * { فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ } * { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ }

وقصة لوط - عليه السلام - قد وردت فى سور متعددة، منها سورة الأعراف، وهود، والشعراء، والنمل، والعنكبوت.. ولوط - عليه السلام - هو - على الراجح - ابن أخى إبراهيم - عليه السلام -، وكان قد آمن به وهاجر معه إلى أرض الشام، فبعثه الله - تعالى - إلى أهل سدوم. وهى قرية بوادى الأردن وكالوا يأتون الفواحش التى لم يسبقهم إليها أحد.. وقوله - تعالى - { كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِٱلنُّذُرِ } أى كذبوا بالإِنذارات والتهديدات التى هددهم بها نبيهم لوط، إذا لم يستجيبوا لإِرشاداته وأمره ونهيه.... فكانت نتيجة هذا التكذيب والفجور الذى انغمسوا فيه الهلاك والدمار كما قال - تعالى - { إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً... }. والحاصب الريح التى تحصب، أى ترمى بالحصباء، وهى الحجارة الصغيرة التى تهلك من تصيبه بأمر الله - تعالى -. فقوله { حَاصِباً } صفة لموصوف محذوف وهو الريح، وجىء به مذكرا لكونه موصوفه وهو الريح فى تأويل العذاب، أى إنا أرسلنا إليهم عذابا حاصبا أهلكهم.. والاستثناء فى قوله - سبحانه - { إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ } استثناء متصل، لأنهم من قومه. والسحر هو الوقت الذى يختلط فيه سواد آخر الليل، ببياض أول النهار وهو قبيل مطلع الفجر بقليل. أى إنا أرسلنا عليهم ريحا شديدة ترميهم بالحصباء فتهلكهم، إلا آل لوط، وهم من آمن به من قومه، فقد نجيناهم من هذا العذاب المهلك فى وقت السحر، فالباء فى قوله { بِسَحَرٍ } بمعنى " فى " الظرفية. أو هى للملابسة، أى حال كونهم متلبسين بسحر. وقوله - تعالى - { نِّعْمَةً مِّنْ عِندِنَا... } علة الإِيحاء، والنعمة بمعنى الإِنعام، أى انجينا آل لوط من العذاب الذى نزل بقومه على سبيل الإِنعام الصادر من عندنا عليهم لا من عند غيرنا. وقوله - تعالى - { كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ } بيان لسبب هذا الإِنعام والإِيحاء.. أى مثل هذا الجزاء العظيم، المتمثل فى إيحائنا للمؤمنين من آل لوط وفى إنعامنا عليهم.. نجازى كل شاكر لنا، ومستجيب لأمرنا ونهينا. فالآية الكريمة بشارة للمؤمنين الشاكرين حتى يزدادوا من الطاعة لربهم، وتعريض بسوء مصير الكافرين الذين لم يشكروا الله - تعالى - على نعمه. وفى قوله - تعالى - { مِّنْ عِندِنَا } تنويه عظيم بهذا الإِنعام، لأنه صادر من عنده - تعالى - الذى لا تعد ولا تحصى نعمه. ثم بين - سبحانه - الأسباب التى أدت بقوم لوط إلى الدمار والهلاك فقال { وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْاْ بِٱلنُّذُرِ... }. والبطشة المرة من البطش، بمعنى الأخذ بعنف وقوة، والمراد بها هنا الإِهلاك الشديد. والتمارى تفاعل من المراء بمعنى الجدال، والمراد به هنا التكذيب والاستهزاء، ولذا عدى بالباء دون فى.

السابقالتالي
2