الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ } * { فَقَالُوۤاْ أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ إِنَّآ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ } * { أَءُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ } * { سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ ٱلْكَذَّابُ ٱلأَشِرُ } * { إِنَّا مُرْسِلُواْ ٱلنَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَٱرْتَقِبْهُمْ وَٱصْطَبِرْ } * { وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ ٱلْمَآءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ } * { فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ } * { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } * { إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُواْ كَهَشِيمِ ٱلْمُحْتَظِرِ } * { وَلَقَد يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ }

قصة قبيلة ثمود مع نبيهم صالح - عليه السلام - قد وردت فى سور متعددة منها سورة الأعراف، وسورة هود، وسورة الشعراء، وسورة النمل. وينتهى نسبهم إلى جدهم ثمود، وقيل سموا بذلك لقلة ماء المكان الذى كانوا يعيشون فيه، لأن الثمد هو الماء القليل. وكانت مساكنهم بالحجر - بكسر الحاء وسكون الجيم -، وهو مكان يقع بين الحجاز والشام، وما زال معروفا إلى الآن. ونبيهم صالح - عليه السلام - ينتهى نسبه إلى نوح - عليه السلام -. وقوله { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ } أى كذبت قبيلة ثمود بالنذر التى جاءتهم عن طريق رسولهم صالح - عليه السلام - فالنذر بمعنى الإِنذارات التى أنذرهم بها صالح - عليه السلام - ثم حكى - سبحانه - مظاهر تكذيبهم فقال { فَقَالُوۤاْ أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ... }. و " بشرا " منصوب على المفعولية بالفعل " نتبعه " على طريقة الاشتغال، وقدم لاتصاله بهمزة الاستفهام، لأن حقها التصدير، والاستفهام للإِنكار، وواحدا صفة لقوله { أَبَشَراً }. أى أن قوم صالح - عليه السلام - حين جاءهم برسالته التى تدعوهم إلى إخلاص العبادة لله - تعالى -، أنكروا ذلك، وقالوا أنتبع واحدا من البشر جاءنا بهذا الكلام الذى يخالف ما كان عليه آباؤنا وأجدادنا؟. { إِنَّآ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ } أى إنا إذا لو اتبعناه لصرنا فى ضلال عظيم، وفى { سُعُرٍ } أى وفى جنون واضح، ومنه قولهم ناقة مسعورة، إذا كانت لا تستقر على حال، وتفرط فى سيرها كالمجنونة. أو المعنى إنا لو اتبعناه لكنا فى ضلال، وفى نيران عظيمة. فالسعر بمعنى النار المسعرة، ثم أخذوا فى تفنيد دعوته، فقالوا { أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا.. } والاستفهام للإِنكار والنفى. والمراد بالإِلقاء الإِنزال. وبالذكر الوحى الذى أوحاه الله - تعالى - إليه، وبلغه لهم. أى أأنزل الوحى على صالح وحده دوننا؟ لا لم ينزل عليه الوحى دوننا، فهو واحد من أفنائنا، وليس من أشرافنا.. { بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ } أى بل صالح فيما يدعونا إليه كذاب { أَشِرٌ } أى بطر متكبر، معجب بنفسه، يقال أشر فلان، إذا أبطرته النعمة، وصار مغرورا متكبرا على غيره، ولا يستعمل نعم الله فيما خلقت له. وهكذا الجاهلون الجاحدون، يقلبون الحقائق، وتصير الحسنات فى عقولهم سيئات، فصالح - عليه السلام - الذى جاءهم بما يسعدهم، أصبح فى نظرهم كذابا مغرورا، لا يليق بهم أن يتبعوه.. وقد ورد - سبحانه - عليهم ردا يحمل لهم التهديد والوعيد، فقال - تعالى - { سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ ٱلْكَذَّابُ ٱلأَشِرُ }. أى سيعلم هؤلاء الكافرون، فى الغد القريب يوم ينزل بهم العذاب المبين، من هو الكذاب فى أقواله، ومن هو المغرور المتكبر على غيره، أصالح - عليه السلام - أم هم؟! والتعبير بالسين فى قوله { سَيَعْلَمُونَ } لتقريب مضمون الجملة وتأكيده.

السابقالتالي
2 3 4