الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ } * { فَاكِهِينَ بِمَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } * { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ ٱمْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ } * { وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ } * { يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ } * { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ } * { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } * { قَالُوۤاْ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِيۤ أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ } * { فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ } * { إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْبَرُّ ٱلرَّحِيمُ }

المعنى { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ } الذين صانوا أنفسهم عن كل ما نهى الله - تعالى - عنه. { فِي جَنَّاتٍ } عظيمة وفى { نَعِيمٍ } دائم لا ينقطع. { فَاكِهِينَ } أى متلذذين متنعمين بما يحيط بهم من خيرات، مأخوذ من الفَكاهة - بفتح الفاء - وهى طيب العيش مع النشاط، يقال فكه الرجل فكَها، وفكاهة فهو فكِه وفاكه. إذا طاب عيشه، وزاد سروره، وعظم نشاطه، وسميت الفاكهة بهذا الاسم لتلذذ الإِنسان بها. { بِمَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } أى متلذذين بسبب ما آتاهم ربهم من جنات عظيمة، ووقاهم - سبحانه - بفضله ورحمته العذاب الذى يؤلمهم. ويقال لهم فضلا عن ذلك على سبيل التكريم { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً } أى كلوا أكلا مريئا، واشربوا شربا هنيئا. والهنىء من المأكول والمشروب مالا يلحقه تعب أو سوء عاقبة. وقوله { مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ } منصوب على الحال من فاعل { كُلُواْ } أو من الضمير المستكن فى قوله { جَنَّاتٍ }. أى هم فى جنات عظيمة، حالة كونهم متكئين فيها على سرر موضوعة على صفوف منتظمة، وعلى خطوط مستوية، والسُّررُ جمع سرير وهو ما يجلس عليه الإِنسان للراحة. وقوله { وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ } بيان لنعمة أخرى من النعم التى يتلذذون بها. أى وفضلا عن كل ذلك، فقد زوجناهم بنساء جميلات. وبذلك نرى أن هؤلاء المتقين، قد أكرمهم الله - تعالى - بكل أنواع النعيم، من مسكن طيب، ومأكل كريم، ومشرب هنىء، وأزواج مطهرات من كل سوء. ثم بين - سبحانه - أنواعا أخرى من تكريمه - تعالى - لهم، فقال { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ }. والأية الكريمة بيان لحال طائفة من أهل الجنة - وهم الذين شاركتهم ذريتهم الأقل عملا منهم فى الإِيمان - إثر بيان حال المتقين بصفة عامة. والاسم الموصول مبتدأ، وخبره جملة { أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ }. والمراد بالذرية هنا ما يشمل الآباء والأبناء وقوله { وَٱتَّبَعَتْهُمْ } معطوف على { آمَنُواْ }. وقوله { بِإِيمَانٍ } متعلق بالاتباع، والباء للسببية أو بمعنى فى. ومعنى { أَلَتْنَاهُمْ } أنقصناهم. يقال فلان أَلَتَ فلانا حقه يألِتُه - من باب ضرب - إذا بخسه حقه. والمعنى والذين آمنوا بنا حق الإِيمان واتبعتهم ذريتهم فى هذا الإِيمان، ألحقنا بهم ذريتهم، بأن جمعناهم معهم فى الجنة، وما نقصنا هؤلاء المتبوعين شيئا من ثواب أعمالهم، بسبب إلحاق ذريتهم بهم فى الدرجة، بل جمعنا بينهم فى الجنة. وساوينا بينهم فى العطاء - حتى ولو كان بعضهم أقل من بعض فى الأعمال - فضلا منا وكرما. قال الإِمام ابن كثير يخبر - تعالى - عن فضله وكرمه، وامتنانه ولطفه بخلقه وإحسانه أن المؤمنين إذا اتبعتهم ذرياتهم فى الإِيمان، يلحقهم بآبائهم فى المنزلة وإن لم يبلغوا عملهم، لتقر أعين الآباء بالأبناء عندهم فى منازلهم، فيجمع بينهم على أحسن الوجوه، بأن يرفع الناقص العمل بكامل العمل، ولا ينقص ذاك من عمله ومنزلته.

السابقالتالي
2 3