الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ كَذَلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } * { أَتَوَاصَوْاْ بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } * { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ } * { وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } * { مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ } * { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ } * { فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ } * { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ }

وقوله { كَذَلِكَ } خبر لمبتدأ محذوف. أى الأمر كذلك، واسم الإِشارة مشار به إلى الكلام الذى سيتلوه، إذ أن ما بعده وهو قوله { مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ } تفسير له. أى الأمر - أيها الرسول الكريم - كما نخبرك، من أنه ما أتى الأقوام الذين قبل قومك من رسول يدعوهم إلى عبادتنا وطاعتنا، إلا قالوا له - كما قال قومك فى شأنك - هو - ساحر أو مجنون. والمقصود بالآية الكريمة تسلية الرسول - صلى الله عليه وسلم - عما أصابه من مشركى قريش، حيث بين له - سبحانه - أن الرسل السابقين قد كذبتهم أممهم، فصبروا حتى أتاهم نصره - سبحانه -. ثم أضاف - سبحانه - إلى هذه التسلية تسلية أخرى فقال { أَتَوَاصَوْاْ بِهِ }؟ والضمير المجرور يعود إلى القول المذكور، والاستفهام للتعجيب من أحوالهم. أى أوصى السابقون اللاحقين أن يقولوا لكل رسول يأتيهم من ربهم. أنت - أيها الرسول - ساحر أو مجنون؟ وقوله - سبحانه - { بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } إضراب عن تواصيهم إضراب إبطال، لأنهم لم يجمعهم زمان واحد حتى يوصى بعضهم بعضا، وإنما الذى جمعهم تشابه القلوب، والالتقاء على الكفر والفسوق والعصيان. أى أوصى بعضهم بعضا بهذا القول القبيح؟ كلا لم يوص بعضهم بعضا لأنهم لم يتلاقوا، وإنما تشابهت قلوبهم، فاتحدت ألسنتهم فى هذا القول المنكر. ثم تسلية ثالثة نراها فى قوله - تعالى - { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } أى فأعرض عنهم وعن جدالهم، وسر فى طريقك الذى رسمه الحكيم الخبير لك. { فَمَآ أَنتَ } أيها الرسول الكريم - { بِمَلُومٍ } على الإِعراض عنهم، وما أنت بمعاتب منا على ترك مجادلتهم. { وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أى أعرض عن هؤلاء المشركين، وداوم على التذكير والتبشير والإِنذار مهما تقول المتقولون، فإن التذكير بما أوحيناه إليك من هدايات سامية، وآداب حكيمة.. ينفع المؤمنين، ولا ينفع غيرهم من الجاحدين. ثم بين - سبحانه - الوظيفة التى من أجلها أوجد الله - تعالى - الجن والإِنس فقال { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ }. وللعلماء فى تفسير هذه الآية أقوال منها أن معناها إنى ما أوجدت الجن والإِنس إلا وهم مهيئون لعبادتى وطاعتى. بسبب ما ركبت فيهم من عقول تعقل، وبسبب ما أرسلت إليهم من رسل يهدونهم إلى الخير، فمنهم من أطاع الرسل، وجرى ما مقتضى ما تقتضيه الفطرة، فآمن بالرسل، واتبع الحق والرشد، ففاز وسعد، ومنهم من أعرض عن دعوة الرسل، وعاند فطرته وموجب استعداده فخسر وخاب. ومنهم من يرى أن معناها إنى ما خلقت الجن والإِنس إلا ليقروا لى بالعبودية طوعا أو كرها، لأن المؤمن يطيع باختياره، والكافر مذعن منقاد لقضاء ربه، كما فى قوله - تعالى -

السابقالتالي
2 3