الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَفِي مُوسَىٰ إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { فَتَوَلَّىٰ بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } * { فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ } * { وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ } * { مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ } * { وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُواْ حَتَّىٰ حِينٍ } * { فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ } * { فَمَا ٱسْتَطَاعُواْ مِن قِيَامٍ وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ } * { وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ }

وقوله - سبحانه - { وَفِي مُوسَىٰ } معطوف على قوله - تعالى - قبل ذلك وَتَرَكْنَا فِيهَآ والكلام على حذف مضاف. والظرف فى قوله { إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ }. متعلق بمحذوف هو نعت لقوله آيَةً قبل ذلك. أى وتركنا فى قصة موسى - أيضا - أية، هذه الآية كائنة وقت أن أرسلناه إلى فرعون { بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } أى بمعجزة واضحة بينة هى اليد والعصا وغيرهما. وقوله - سبحانه - { فَتَوَلَّىٰ بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } بيان لموقف فرعون من موسى - عليه السلام - أى أرسلنا موسى بآياتنا الدالة على صدقه إلى فرعون وملئه، فما كان من فرعون إلا أن أعرض عن دعوة الحق، وتعاظم على موسى بملكه وجنوده وقوته.. وقال فى شأن موسى - عليه السلام - هو ساحر أو مجنون. والركن جانب البدن. والمراد به هنا جنوده الذين يركن إليهم، وقوته التى اغتر بها. قال الآلوسى قوله { فَتَوَلَّىٰ بِرُكْنِهِ } أى فأعرض عن الإِيمان بموسى، على أن ركنه جانب بدنه وعطفه، والتولى به كناية عن الإِعراض، والباء للتعدية، لأن معناه ثنى عطفه. وقال قتادة تولى بقومه على أن الركن بمعنى القوم، لأنه يركن إليهم ويتقوى بهم، والباء للمصاحبة أو الملابسة.. وقيل تولى بقوته وسلطانه. فالركن يستعار للقوة... ثم بين - سبحانه - نتيجة إعراض فرعون عن الحق فقال { فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ }. والنبذ الطرح للشىء بدون اكتراث أو اهتمام به، و قوله { مُلِيمٌ } من ألام، إذا أتى ما يلام عليه، كأغرب إذا أتى أمرا غريبا، وجملة، وهو مليم، حال من المفعول فى قوله { فَأَخَذْنَاهُ }. أى فأخذنا فرعون هو وجنوده الذين ارتكن إليهم أخذ عزيز مقتدر، فألقينا بهم جميعا فى البحر بدون اعتداد بهم، بعد أن أتى فرعون بما يلام عليه من الكفر والطغيان. قال صاحب الكشاف فإن قلت كيف وصف نبى الله يونس - عليه السلام - بما وصف به فرعون فى قوله - تعالى -فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ } قلت موجبات اللوم تختلف، وعلى حسب اختلافها تختلف مقادير اللوم، فراكب الكبيرة ملوم على مقدارها، وكذلك مقترف الصغيرة. ألا ترى إلى قوله - تعالى -وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ } وقولهوَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ } لأن الكبيرة والصغيرة يجمعهما اسم العصيان، كما يجمعهما اسم القبيح والسيئة. ثم تنتقل السورة بعد ذلك إلى بيان ما حل بقوم هود - عليه السلام - فتقول { وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ }. أى وتركنا فى قصة عاد - أيضا - وهم قوم هود - عليه السلام - آية وعبرة، وقت أن أرسلنا عليهم الريح العقيم.

السابقالتالي
2