الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً فَنَقَّبُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } * { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } * { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ } * { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ ٱلسُّجُودِ } * { وَٱسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } * { يَوْمَ يَسْمَعُونَ ٱلصَّيْحَةَ بِٱلْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْخُرُوجِ } * { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِـي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا ٱلْمَصِيرُ } * { يَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ } * { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِٱلْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ }

و { كَمْ } فى قوله - تعالى - { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ... } خبرية بمعنى كثير، وهى منصوبة بما بعدها، والقرن يطلق على جماعة من الناس تعيش فى زمن واحد، ومقداره مائة سنة - على الراجح -. وقوله { مِّن قَرْنٍ } تمييز لكم، وجملة { هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً } صفة، والبطش السطوة والأخذ بشدة. أى واعلم - أيها الرسول الكريم - أننا أهلكنا كثيرا من القرون الماضية التى كذبت رسلها، كقوم نوح وعاد وثمود، وقد كانوا أشد من قومك قوة وأكثر جمعا، وما دام الأمر كما ذكرنا لك، فلا تحزن ولا تبتئس لما يصيبك من الكافرين المعاصرين لك، فنحن فى قدرتنا أن ندمرهم تدميرا. والضمير فى قوله - تعالى - { فَنَقَّبُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ } يعود إلى أهل تلك القرون المهلكة الماضية. والتنقيب السير فى الأرض، والطواف فيها. والبحث بين أرجائها، يقال نقب فلان فى الأرض، إذا ذهب فيها وأصل النَّقْب الخرق والدخول فى الشئ، ومنه قولهم نقب فلان الجدار، إذا أحدث فيه خرقا. والمراد به هنا السير فى الأرض، والتفتيش فيها.. قال الآلوسى { فَنَقَّبُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ } أى ساروا فى الأرض وطوفوا فيها حذر الموت.. قال الشاعر
نقبوا فى البلاد حذر الموت وجالوا فى الأرض كل مجال   
وشاع التنقيب فى العرف بمعنى التنقير عن الشئ والبحث عن أحواله.. والفاء على تفسير التنقيب بالسير ونحوه، لمجرد التعقيب، وعلى تفسيره بالتصرف للسببيه، لأن تصرفهم فى البلاد مسبب عن اشتداد بطشهم، وهى على الوجهين عاطفة على معنى ما قبلها، كأنه قيل اشتد بطشهم فنقبوا فى البلاد.. والاستفهام فى قوله - سبحانه - { هَلْ مِن مَّحِيصٍ } للإِنكار والنفى، والمحيص المعدل والمهرَب، يقال حاص فلان عن الشئ يحيص حَيْصاً، ومَحِيصا، إذا عدل وحاد عنه، وحاول الهروب منه. أى أن هؤلاء المكذبين السابقين، كانوا أشد من مشركى قريش قوة وأكثر جميعا، وكانوا أكثر ضربا فى الأرض وسيرا فيها فلما نزل بهم بأسنا حاولوا الهرب والفرار، فلم يجدوا مكانا يهربون فيه، بل نزل بهم عذابنا فدمرناهم تدميرا. فعليكم - أيها المشركون - أن تعتبروا بهم، حتى لا يصيبكم ما أصابهم. فالمقصود بالآية الكريمة، تسلية الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتحذير أعدائه من سوء عاقبة الكفر والعناد. { إِنَّ فِي ذَلِكَ } الإِهلاك للأمم المكذبة السابقة { لَذِكْرَىٰ } أى لتذكرة وعبرة { لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ } أى لمن كان له قلب يعى ما يسمع، ويعقل ما يوجه إليه، ويعمل بمقتضى هذا التوجيه الحكيم. { أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } أى فيما سقناه عبرة وعظة لمن كان له قلب يعى الحقائق، ولمن أصغى إلى ما يلقى إليه من إرشادات، وهو حاضر الذهن صادق العزم لتنفيذ ما جاءه من الحق.

السابقالتالي
2 3 4