الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قۤ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْمَجِيدِ } * { بَلْ عَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ } * { أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ } * { قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ ٱلأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ } * { بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ فَهُمْ فِيۤ أَمْرٍ مَّرِيجٍ } * { أَفَلَمْ يَنظُرُوۤاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ } * { وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } * { تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } * { وَنَزَّلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً مُّبَٰرَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّٰتٍ وَحَبَّ ٱلْحَصِيدِ } * { وَٱلنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ } * { رِّزْقاً لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ ٱلْخُرُوجُ }

سورة " ق " من السور القرآنية، التى افتتحت ببعض حروف التهجى، وأقرب الأقوال إلى الصواب فى معنى هذه الحروف، أنها جئ بها على سبيل الإِيقاظ والتنبيه للذين تحداهم القرآن. فكأن الله - تعالى - يقول لهؤلاء المعارضين فى أن القرآن من عند الله ها كم القرآن ترونه مؤلفا من كلام هو من جنس ما تؤلفون منه كلامكم، ومنظوما من حروف هى من جنس الحروف الهجائية التى تنظمون منها حروفكم. فإن كنتم فى شك فى كونه منزلا من عند الله - تعالى - فهاتوا مثله، أو عشر سور من مثله، أو سورة واحدة من مثله. فعجزوا وانقلبوا خاسرين، وثبت أن هذا القرآن من عند الله - سبحانه -. وهذا الرأى وهو كون " ق " من الحروف الهجائية، هو الذى نطمئن إليه، وهناك أقوال أخرى فى معنى هذا الحرف، تركناها لضعفها كقول بعضهم إن " ق " اسم جبل محيط بجميع الأرض.. وهى أقوال لم يقم دليل نقلى أو عقلى على صحتها. قال ابن كثير وقد روى عن بعض السلف، أنهم قالوا " ق " جبل محيط بالأرض، يقال له جبل " ق " وكأن هذا - والله أعلم - من خرافات بنى إسرائيل التى أخذها عنهم بعض الناس.. والواو فى قوله - تعالى - { وَٱلْقُرْآنِ ٱلْمَجِيدِ } للقسم، والمقسم به القرآن الكريم، وجواب القسم محذوف لدلالة ما بعده عليه، وهو استبعادهم لعبثة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتكذيبهم للبعث والحساب.. وقوله { ٱلْمَجِيدِ } صفة للقرآن. أى ذى المجد والشرف وكثرة الخير. ولفظ المجيد مأخوذ من المجد، بمعنى السعة والكرم، وأصله من مجدت الإِبل وأمجدت، إذا وقعت فى مرعى مخصب، واسع، الجنبات، كثير الأعشاب. والمعنى أقسم بالقرآن ذى المجد والشرف، وذى الخير الوفير الذى يجد فيه كل طالب مقصوده، إنك - أيها الرسول الكريم - لصادق فيما تبلغه عن ربك من أن البعث حق والحساب حق، والجزاء حق... ولكن الجاحدين لم يؤمنوا بذلك. { بَلْ عَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ } وهو أنت يا محمد، فلم يؤمنوا بك، بل قابلوا دعوتك بالإِنكار والتعجب. { فَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ } أى هذا البعث الذى تخبرنا عنه يا محمد شئ يتعجب منه، وتقف دون أفهامنا حائرة. قال الآلوسى ما ملخصه قوله - تعالى - { بَلْ عَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ... } بل للإِضراب عما ينبئ عنه جواب القسم المحذوف، فكأنه قيل إنا أنزلنا هذا القرآن لتنذر به الناس، فلم يؤمنوا به، بل جعلوا كلا من المنذِر والمنذَر به عرضة للتكبر والتعجب، مع كونهما أوفق شئ لقضية العقول، وأقربه إلى التلقى بالقبول.

السابقالتالي
2 3 4