الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ قِيَٰماً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَٱلْهَدْيَ وَٱلْقَلاَئِدَ ذٰلِكَ لِتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَأَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ وَأَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { مَّا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ } * { قُل لاَّ يَسْتَوِي ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ ٱلْخَبِيثِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

قال الفخر الرازى " اعلم أن اتصال هذه الآية - { جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ } بما قبلها هو ان الله - تعالى - حرم فى الآية المتقدمة الاصطياد على المحرم. فبين أن الحرم أنه سبب لأمن الوحش والطير. فكذلك هو سبب لأمن الناس عن الآفات والمخافات، وسبب لحصول الخيرات والسعادات فى الدنيا والآخرة ". والكعبة فى اللغة البيت المكعب أى المربع. وقيل المرتفع. قال القرطبى وقد سميت الكعبة كعبة، لأنها مربعة.. وقيل إنما سميت كعبة لنتوئها وبروزها، فكل نأتئ بارز كعب، ومنه كعب القدم وكعوب الفتاة، وكعب ثدى المرأة إذا ظهر فى صدرها ". وجعل هنا يحتمل أن تكون بمعنى صير فيتعدى لاثنين أولهما الكعبة وثانيهما قياما ويحتمل أن يكون بمعنى خالق أو شرع فيتعدى لواحد وهو الكعبة ويكون قوله { قياما } حال من البيت الحرام. والبيت الحرام بدل من الكعبة أو عطف بيان جىء به على سبيل المدح والتعظيم ووصف بالحرام إيذانا بحرمته وإشعارا بشرفه، حيث حرم - سبحانه - القتل فيه، وجعله مكان أمان الناس واطمئنانهم. وقوله { قياما } أصله قواماً فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها. والقيام والقوام ما به صلاح الشىء، كما يقال الملك العادل قوام رعيته. لأنه يدبر أمرهم ويردع ظالمهم، ويحجز قويهم عن ضعيفهم، ومسيئهم عن محسنهم. والمراد بالشهر الحرام الأشهر الحرم على إرادة الجنس وهى ذو العقدة وذو الحجة والمحرم ورجب. وقيل المراد به شهر ذى الحجة فحسب، لأنه هو الذى تؤدى فيه فريضة الحج، فالتعريف للعهد وليس للجنس. والهدى اسم لما يهدى إلى الحرم من حيوان ليتقرب بذبحه إلى الله تعالى - وهو جمع هدية - بسكون الدال -. والقلائد جمع قلادة وهى ما يقلد به الهدى ليعلم أنه مهدى إلى البيت الحرام فلا يتعرض له أحد بسوء. فالمراد بالقلائد هنا الحيوانات ذوات القلائد التى تساق إلى الحرم لذبحها فيه، فيكون ذكر القلائد بعد الهدى من باب التخصيص بالذكر على سبيل الاهتمام بشأنها، لأن الثواب فيها أكثر. وقيل المراد بها ما كان يفعله بعض الناس من وضع قلادة من شعر أو من غيره فى أعناقهم عندما يحرمون حتى لا يتعرض لهم أحد بسوء. وقوله { وَٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَٱلْهَدْيَ وَٱلْقَلاَئِدَ } معطوف على ما قبله وهو الكعبة. والمعنى اقتضت حكمة الله - تعالى - ورحمته بعباده أن يصير الكعبة التى هى البيت الحرام { قِيَاماً لِّلنَّاسِ } أى به قوامهم فى إصلاح أمورهم دينا ودنيا، وكذلك جعل الأشهر الحرم والهدى وخصوصاً ما يقلد منه قياماً للناس أيضاً. وذلك لأن البيت الحرام الذى يأتى الناس إليه من كل فج عميق، يجدون فى رحابه ما يقوى إيمانهم، ويرفع درجاتهم، ويغسل سيئاتهم، ويصلح من شئون دنياهم عن طريق تبادل المنافع، وبذل الأموال، والشعور بالأمان والاطمئنان، وتوثيق الصلات الدينية والدنيوية التى ترضى الله - تعالى -، وتجعلهم أهلا لفضله ورحمته.

السابقالتالي
2 3 4