الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ }

قال القرطبى قوله - تعالى - { يَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ } خطاب عام لكل مسلم، وهذا النهى هو الابتلاء المذكور فى قوله - تعالى - { يَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ }.. الآية وروى أن أبا اليسر - واسمه عمرو بن مالك الأنصارى - كان محرماً عام الحديبية بعمرة فقتل حمار وحش فنزلت هذه الآية. والمراد بالصيد هنا المصيد، لأنه هو الذى يقع عليه القتل. وقوله { حرم } جمع حرام. وهذا اللفظ المحرم بالحج أو بالعمرة أو بهما وإن كان فى الحل، كما يتناول من كان فى الحرم وإن كان حلالا. قال ابن جرير والحرم جمع حرام، يقال هذا رجل حرام، وهذه أمرأة حرام، فإذا قيل محرم، قيل للمرأة محرمة والإِحرام هو الدخول فيه. يقال أحرم القوم إذا دخلوا فى الشهر الحرام أو فى الحرم، فتأويل الكلام " لا تقتلوا الصيد وأنتم محرمون ". والصيد المنهى عن قتله هنا صيد البر، لأن صيد البحر قد أحله الله بعد ذلك بقولهأُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ } الآية. والنهى كما يتناول قتل صيد البر بإزهاق روحه بأى طريق من طرق الإِزهاق، يتناول - أيضاً - قتله بطريق التسبب كالإِشارة إليه مثلا. ويتناول كذلك حظر الصيد نفسه، لقوله - تعالى - فى مطلع هذه السورةيَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } ولقوله - تعالى - بعد هذه الآية التى معناأُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً } فالنهى فى قوله - تعالى - { لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } يتناول القتل عن طريق المباشرة أو التسبب كما يتناول أى عمل يؤدى إلى صيد الحيوان. وإنما كان النهى فى الآية منصبا على القتل، لأنه هو المقصود الأعظم من وراء مباشرة عملية الصيد إذ الصائد يريد قتل المصيد لكى يأكله فى الغالب. هذا، وقد اختلف الفقهاء فى المصيد الذى يحرم صيده على المحرم. فذهب بعضهم إلى أن المراد به ما يصاد مطلقاً سواء أكان مأكولا أم غير مأكول ولا يستثنى من ذلك إلا ما جاء النص باستثنائه، وذلك لأن الصيد اسم عام يتناول كل ما يصاد من المأكول ومن غير المأكول. وبهذا الرأى قال الأحناف ومن وافقهم من الفقهاء. ويرى الشافعية أن المراد به المأكول فقط، لأن الصيد إنما يطلق على ما يحل أكله فحسب. وقد انبنى على هذا الخلاف أن من قتل وهو محرم سبعاً، فالأحناف يرون أنه يجب عليه الجزاء الذى فصلته الآية. والشافعية يرون أنه لا يجب عليه ذلك.

السابقالتالي
2 3 4 5