الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ إِذَا مَا ٱتَّقَواْ وَآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }

روى المفسرون فى سبب نزول هذه الآية روايات متقاربة فى معناها، ومن ذلك ما رواه الترمذى عن البراء بن عازب قال مات ناس من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم وهم يشربون الخمر. فلما نزل تحريمها قال ناس من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فكيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربونها قال فنزلت { لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } الآية. وعن ابن عباس قال قالوا يا رسول الله، أرأيت الذين ماتوا وهم يشربون الخمر " لما نزل تحريم الخمر " فنزلت { لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } الآية. وروى الإِمام أحمد من حديث أبى هريرة أنه بعد أن نزل قوله - تعالى -يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ } الآيات، قال الناس يا رسول الله، ناس قتلوا فى سبيل الله أو ماتوا على فرشهم، كانوا يشربون الخمر ويأكلون مال الميسر وقد جعله الله رجسا ومن عمل الشيطان؟ فأنزل الله - تعالى - { لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ } الآية. قال القرطبى وهذه الآية وتلك الأحاديث نظير سؤالهم عمن مات إلى القبلة الأولى فنزلتوَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } ومن فعل ما أبيح له حتى مات على فعله لم يكن له ولا عليه شىء، لا إثم ولا مؤاخذة ولا ذم ولا أجر ولا مدح، لأن المباح مستوى الطرفين بالنسبة إلى الشرع، وعلى هذا فما كان ينبغى أن يتخوف ولا يسأل عن حال من مات والخمر فى بطنه وقت إباحتها، فإما أن يكون ذلك القائل غفل عن دليل الإِباحة فلم يخطر له، أو يكون لغلبة خوفه من الله - تعالى - وشفقته على إخوانه المؤمنين توهم مؤاخذة ومعاقبة لأجل شرب الخمر المتقدم، فرفع الله التوهم بقوله { لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ } الآية. وقال الآلوسى وقيل إن هذه الآية نزلت فى القوم الذين حرموا على أنفسهم اللحوم وسلكوا طريق الترهب كعثمان بن مظعون وغيره والأول هو المختار ". وقوله - تعالى - { فِيمَا طَعِمُوۤاْ } أى ذاقوا، مأخوذ من الطعم - بالفتح - وهو تذوق الشىء والتلذذ به، سواء أكان مأكولا أم مشروبا وهو المراد هنا. قال القرطبى وأصل هذه الكلمة فى الأكل. يقال طعم الطعام وشرب الشراب لكن قد تجوز فى ذلك فيقال لم أطعم خبزاً ولا ماء ولا نوماً ". والمعنى { لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ } أى حرج أو إثم { فِيمَا طَعِمُوۤاْ } أى فيما تناولوه من خمر أو ما يشبهها من محرمات قبل أن يحرمها الله - تعالى - وكذلك لا إثم ولا حرج على من مات قبل التحريم.

السابقالتالي
2 3 4