الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ فِي ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } * { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَٱحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ }

قال الفخر الرازى اعلم أن هذا النوع الثالث من الأحكام المذكورة فى هذا الموضع - فقد أمر الله المؤمنين بعدم تحريم الطيبات ثم بين حكم الأيمان المنعقدة. ووجه اتصال هذه الآيات بما قبلها أنه - تعالى - قال فيما تقدملاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ } إلى قولهوَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلاَلاً طَيِّباً } ثم لما كان من جملة الأمور المستطابة الخمر والميسر، لا جرم أنه - تعالى - بين أنهما غير داخلين فى المحلات بل فى المحرمات. والخمر - بمعنى المصدر - هو الستر، ولذلك يقال لما يستر به الرأس عند النساء خمار. والخمر - بمعنى الاسم - ما يخمر العقل ويستره، ويمنعه من التقدير السليم قال القرطبى والخمر مأخوذة من خمر، إذا ستر، ومن خمار المرأة لأنه يستر وجهها. وكل شىء غطى شيئاً فقد خمره. ومنه خمروا آنيتكم أى غطوها. وقيل إنما سميت الخمر خمراً، لأنها تركت حتى أدركت كما يقال قد اختمر العجين، أى بلغ إدراكه، وخمر الرأى، أى ترك حتى يتبين فيه الوجه. وقيل إنما سميت الخمر خمراً، لأنها تخالط العقل. من المخامرة وهى المخالطة. ومنه قولهم دخلت فى خمار الناس - بفتح الخاء وضمها - أى اختلطت بهم. فالمعانى الثالثة متقاربة، فالخمر تركت حتى أدركت، ثم خالطت العقل، ثم خمرته والأصل الستر ". والميسر القمار - بكسر القاف - وهو فى الأصل مصدر ميمى من يسر كالموعد من وعد. وهو مشتق من اليسر بمعنى السهولة، لأن المال يجىء، للكاسب من غير جهد، أو هو مشتق من يسر بمعنى جزأ، ثم أصبح علما على كل ما يتقامر عليه كالجزور ونحوه. قال القرطبى الميسر الجزور الذى كانوا يتقامرون عليه، سمى ميسراً لأنه يجزأ أجزاء فكأنه موضوع التجزئة. وكل شىء جزأته فقد يسرته. والياسر الجازر، لأنه يجزئ لحم الجزور. ويقال للضاربين بالقداح والمتقامرين على الجزور ياسرون لأنهم جازرون إذ كانوا سببا لذلك. والمراد بالميسر ما يشمل كل كسب يجىء بطريق الحظ المبنى على المصادفة فاللعب بالنرد على مال يسمى قماراً، واللعب بالشطرنج على مال يسمى قماراً وهكذا ما يشبه ذلك من ألوان تمليك المال بالمخاطرة وبطريق الحظ المبنى على المصادفة. وتحريم الميسر تحريم لذات الفعل. فالعمل فى ذاته حرام، والكسب عن طريقه حرام. والأنصاب جمع نصب، وتطلق على الأصنام التى كانت تنصب للعبادة لها أو على الحجارة التى كانت تخصص للذبح عليها تقرباً للأصنام. والأزلام جمع زلم. وهى السهام التى كانوا يتقاسمون بها الجزور أو البقرة إذا ذبحت فسهم عليه واحد، وسهم اثنان وهكذا إلى عشرة. أو هى السهام التى كانوا يكتبون على أحدها أمرنى ربى وعلى الآخر نهانى ربى، ويتركون الثالث غفلا من الكتابة فإذا أرادوا سفراً أو حرباً أو زواجاً أو غير ذلك، أتوا إلى بيت الأصنام واستقسموها، فإن خرج أمرنى ربى أقدموا على ما يرونه، وإن خرج نهانى ربى أمسكوا عنه، وإن خرج الغفل أجالوها ثانية حتى يخرج الآمر أو الناهى.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9