الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَٱحْفَظُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال لما نزلتيٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ } فى القوم الذين كانوا حرموا على أنفسهم النساء واللحم قالوا يا رسول الله. كيف نصنع بأيماننا التى حلفنا عليها؟ فأنزل الله - تعالى - قوله { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَانَ } الآية واللغو من الكلام - كما يقول الراغب ما لا يعتد به منه، وهو الذى يورد لا عن روية وفكر فيجرى مجرى اللغا وهو صوت العصافير ونحوها من الطيور. وقد يسمى كل قبيح لغو. قال - تعالى -وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ } ولغو اليمين. أن يحلف الحالف على شىء يرى أنه صادق فيه ثم يتبين له خلاف ذلك. ويرى بعضهم أن لغو اليمين هو الذى يجرى على اللسان بدون قصد، كقولك لا والله ويلى والله. وقد رجح هذا القول ابن كثير فقال ما ملخصه. واللغو فى اليمين هو قول الرجل فى الكلام من غير قصد لا والله وبلى والله وهو مذهب الشافعى. وقيل هو فى الهزل. وقيل فى المعصية وقيل على غلبة الظن وهو قول أبى حنيفة وأحمد والصحيح أنه اليمين من غير قصد بدليل قوله { وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَانَ }. وقوله { عَقَّدتُّمُ } من العقد وهو الجميع بين أطراف الشىء لتوثيقه وهو نقيض الحل وقرأ حمزة والكسائى { عَقَّدتُّمُ } بالتخفيف. وقرأ ابن عامر " عاقدتم ". والمراد بعقد الأيمان توكيدها وتوثيقها قصدا ونية. والمعنى لا يؤاخذكم الله - أيها المؤمنون - فضلا منه وكرما على اللغو فى اليمين وهو ما يجرى على ألسنتكم بدون قصد. ولكن يؤاخذكم بالعقوبة فى الآخرة أو بوجوب الكفارة بتعقيدكم الأيمان وتوثيقها بالقصد والنية، إذا حنثتم فيها، بأن تعمدتم الكذب فى إيمانكم. فالمراد بعدم المؤاخذة فى قوله { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ } عدم المعاقبة فى الدنيا بالكفارة ولا فى الآخرة بالعقوبة. والمراد بالمؤاخذة فى قوله { وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَانَ } العقوبة الأخروية عند جمهور الفقهاء ويرى الشافعى أن المراد بها الكفارة التى تجب على الحانث. وقوله { فِيۤ أَيْمَانِكُمْ } متعلق باللغو. وما فى قوله { بِمَا عَقَّدتُّمُ } مصدرية أى ولكن يؤاخذكم بتعقيدكم الأيمان وتوثيقها. ويحتمل أن تكون موصولة والعائد محذوف. أى ولكن يؤاخذكم بالذى عقدتم الأيمان عليه. وقوله { فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } بيان لكيفية الكفارة والضمير فى قوله فكفارته يعود على الحنث الدال عليه سياق الكلام وإن لم يرج له ذكر. أى فكفارة الحنث. ولا مانع من عودته إلى الحالف إذا حنث فى يمينه فيكون المعنى فكفارة الحالف إذا حنث فى يمينه إطعام عشرة مساكين لأن الشخص الحانث فى يمينه هو الذى يجب عليه التكفير عن حنثه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8