الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } * { وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيِّباً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ }

قال صاحب المنار بدأ الله - هذه السورة بآيات من أحكام الحلال والحرام والنسك. ثم جاء بهذا السياق الطويل فى بيان أحوال أهل الكتاب ومحاجتهم، فكان أوفى وأتم ما ورد فى القرآن من ذلك، ولم يتخلله إلا قليل من الأحكام. وهاتان الآيتان وما بعدهما عود إلى أحكام الحلال والحرام والنسك التى بدئت بها السورة. وإنما لم تجعل آيات الأحكام كلها فى أول السورة وتجعل الآيات فى أهل الكتاب مفصلا بعضها ببعض فى باقيها. لما بيناه غير مرة من حكمة مزج المسائل والموضوعات فى القرآن من حيث هو مثانى تتلى دائما للاهتداء بها، لا كتابا فنياً ولا قانونا يتخذ لأجل مراجعة كل مسألة من كل طائفة من المعانى فى باب معين. على أن نظمه وترتيب آياته يدهش أصحاب الأفهام الدقيقة بحسنه وتنسيقه كما ترى فى مناسبة هاتين الآيتين لما قبلهما مباشرة. ذلك أنه - تعالى - ذكر أن النصارى أقرب الناس مودة للذين آمنوا وذكر من سبب ذلك أن منهم قسيسين ورهبانا فكان من مقتضى هذا أن يرغب المؤمنون فى الرهبانية ويظن الميالون للتقشف والزهد أنها مرتبة كما تقربهم إلى الله - تعالى - وهى إنما تتحقق بتحريم التمتع بالطيبات. وقد أزال الله - تعالى - هذا الظن وقطع طريق تلك الرغبة بقوله { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ }. هذا، وقد ذكر المفسرون فى سبب نزول هاتين الآيتين روايات متعدة منها ما أخرجه الترمذى وابن جرير عن ابن عباس أن رجلا أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال أنى إذا أكلت انتشرت للنساء، وأخذتنى شهوتى فحرمت على اللحم. فأنزل الله - تعالى - { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ }. الآية. وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال، كان أناس من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم هموا بالخصاء وترك اللحم والنساء، فنزلت هذه الآية { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ } وعن أبى قلابة قال أراد أناس من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم أن يرفضوا الدنيا، ويتركوا النساء ويترهبوا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فغلظ فيهم المقالة. ثم قال " إنما هلك من كان قبلكم بالتشديد شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم، فأولئك بقاياهم فى الديار والصوامع، واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وحجوا واعتمروا واستقيموا " قال ونزلت فيهم { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ } الآية وعن أبى طلحة عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية فى رهط من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم قالوا نقطع مذاكيرنا، ونترك شهوات الدنيا، ونسيح فى الأرض كما تفعل الرهبان، فبلغ ذلك النبى صلى الله عليه وسلم فأرسل إليهم، فذكر لهم ذلك فقالوا نعم.

السابقالتالي
2 3 4