الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَٱللَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ ٱلْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُوۤاْ أَهْوَآءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ }

الاستفهام فى قوله { أَتَعْبُدُونَ } لإِنكار واقعهم والتعجيب مما وقع منهم، وتوبيخهم على جهلهم وغفلتهم. و { ما } فى قوله { مَا لاَ يَمْلِكُ } يجوز أن تكون موصولة بمعنى الذى وأن تكون نكرة موصوفة. والجملة بعدها صلة فلا محل لها أو صفة فمحلها النصب. وقوله { يملك } من الملك بمعنى حيازة الشىء والتمكن من التصرف فيه بدون عجز. والمعنى قل يا محمد لهؤلاء الضالين من النصارى وأشباههم فى الكفر والشرك قل لهم أتعبدون معبودات غير الله - تعالى - هذه المعبودات لا تملك أن تصيبكم بشىء من الضرر كالمرض والفقر، ولا تملك أيضاً أن تنفعكم بشىء من النفع كبسط الرزق ودفع الضرر وغير ذلك مما أنتم فى حاجة إليه. فالمراد بما لا يملك كل ما عبد من دون الله من حجر أو وثن أو غيرهما فتكون " ما " للعموم وليست كناية عن عيسى وأمه فحسب. وقد سار على هذا المعنى ابن كثير فقال يقول - تعالى - منكراً على من عبد غيره من الأصنام والأوثان والأنداد، ومبينا له أنها لا تستحق شيئاً من الألوهية فقال - تعالى - { قُلْ } أى يا محمد لهؤلاء العابدين غير الله من سائر فرق بنى آدم ودخل فى ذلك النصارى وغيرهم { أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً }. ويرى كثير من المفسرين أن المراد بقوله { مَا لاَ يَمْلِكُ } عيسى - عليه السلام - أو هو وأمه لأن الكلام مع النصارى الذين قال بعضهم إن الله هو المسيح ابن مريم. وقال آخرون منهم إن الله ثالث ثلاثة، فتكون الآية دليلا آخر - بعد الأدلة السابقة - على فساد أقوال النصارى فى عيسى وأمه مريم. والمعنى قل يا محمد لهؤلاء النصارى أتعبدون - من دون الله - عيسى وأمه وهما لا يستطيعان أن يضراكم بشىء من الضرر فى الأنفس والأموال، ولا أن ينفعاكم بشىء من النفع كإيجاد الصحة والخصب والسعة، لأن الضر والنفع من الله وحده وكل ما يستطيعه البشر من المضار أو المنافع هو بتمكين الله لهم وليس بقدرتهم الذاتية. وأوثرت " ما " على " من " لتحقيق ما هو المراد من كونهما بمعزل من الألوهية رأسا، ببيان انتظامهما فى مسلك الأشياء التى لا قدرة لها على شىء ألا ولا شك أن من صفات الرب أن يكون قادراً على كل شىء، فقول النصارى بأن الله هو المسيح ابن مريم أو هو ثالث ثلاثة، قول ظاهر البطلان واضح الفساد. وعلى كلا القوالين فالآية الكريمة تنفى أن يكون هناك إله سوى الله - تعالى - يستحق العبادة والخضوع، لأنه - سبحانه - هو المالك لكل شىء، والخالق لكل شىء

السابقالتالي
2 3