الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّابِئُونَ وَٱلنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

الآية الكريمة تبين أن أساس النجاة يوم القيامة هو الإِيمان بالله واليوم الآخر، وما يستتبع ذلك من أفعال طيبة وأعمال صالحة. وقد ذكر - سبحانه - فى هذه الآية أربع فرق من الناس أما الفرقة الأولى فهى فرقة المؤمنين، وهم الذين عبر عنهم - سبحانه - بقوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } أى آمنوا إيمانا صادقاً، بأن أذعنوا للحق الذى جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وابتعوه فى كل ما جاء به. وقد ابتدأ القرآن بهم لشرفهم وعلو منزلتهم وللإِشعار بأن دين الإِسلام دين قائم على أساس أن الفوز برضا الله لا ينال إلا بالإِيمان الصادق والعمل الصالح، ولا فضل لأمة على أمة إلا بذلك. والفرقة الثانية فرقة الذين هادوا. أى اليهود. يقال هاد وتهود إذا دخل فى اليهودية. وسموا يهودا نسبة إلى يهوذا أكبر أولاد يعقوب - عليه السلام - وقد قلبت الذل فى كلمة يهوذا دالا فى التعريب. أو سموا حين تابوا من عبادة العجل من هاد يهود هودا بمعنى تاب ومنه قوله - تعالى -إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ } أى تبنا ورجعنا إليك. والفرقة الثالثة فرقة الصائبين جمع صابئ وهو الخارج من دين إلى دين. يقال صبا الظلف والناب والنجم - منع وكرم- إذا طلع. والمراد بهم قوم يعبدون الملائكة، أو الكواكب ويزعمون أنهم على دين صابئ بن شيث بن آدم، ولا تزال بقية منهم تعيش فى تخوم العراق، ومن العسير الجزم بحقيقة معتقدهم، لأنهم أكتم الناس لعقائدهم. وأما الفرقة الرابعة فهى فرقة النصارى جمع نصران بمعنى نصرانى قيل سموا بذلك لأنهم ادعوا أنهم أنصار عيسى - عليه السلام - وقيل سموا بذلك نسبة إلى قرية الناصرة التى ظهر بها عيسى - عليه السلام - واتبعه بعض أهلها. والإِيمان المشار إليه فى قوله { مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } يفسره بعض العلماء بالنسبة لليهود والنصارى والصابئين بمعنى صدور الإِيمان منهم على النحو الذى قرره الإِسلام. فمن لم تبلغه منهم دعوة الإِسلام، وكان ينتمى إلى دين صحيح فى أصله بحيث يؤمن بالله واليوم الآخر ويقوم بالعمل الصالح على الوجه الذى يرشده إليه دينه، فله أجره على ذلك عند ربه. أما الذين بلغتهم دعوة الإِسلام من تلك الفرق ولكنهم لم يقبلوها فإنهم لا يكونون ناجين من عذاب الله مهما ادعوا أنهم يؤمنون بغيرها لأن شريعة الإِسلام قد نسخت ما قبلها، والرسول صلى الله عليه وسلم قال " لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعى ". ويفسرونه - أى الإِيمان المشار إليه سابقا - بالنسبة للمؤمنين الذين عبر الله عنهم بقوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } على أنه بمعنى الثبات والدوام والإِذعان، وبذلك ينتظم عطف قوله - تعالى - { وعَمِلَ صَالِحاً } على قوله { آمَنَ } مع مشاركته هؤلاء المؤمنين لتلك الفرق الثلاث فيما يترتب على العمل الصالح من ثواب جزيل وعاقبة حميدة.

السابقالتالي
2