الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ مَّآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ }

قال الآلوسى أخرج ابن إسحاق وابن جرير وغيرهما عن ابن عباس قال جاء جماعة من اليهود إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه، وتؤمن بما عندنا من التوراة، وتشهد أنها من الله حق، فقال النبى صلى الله عليه وسلم بلى، ولكنكم أحدثتم وجحدتم ما فيها مما أخذ عليكم من الميثاق وكتمتم منها ما أمركم أن تبينوه للناس فبرئت من أحداثكم. قالوا فإن لم تأخذ بما فى أيدينا فإنا على الحق والهدى ولا نؤمن بك ولا نتبعك فأنزل الله { قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ } الآية. والمعنى قل يا محمد لهؤلاء اليهود والنصارى الذين امتدت أيديهم إلى كتبهم بالتغيير والتبديل. قل لهم { يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ } يعتد به من الدين أو العلم أو المروءة { حَتَّىٰ تُقِيمُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ }. أى لستم على شىء يقام له وزن من أمر الدين حتى تعملوا بما جاء فى التوراة والإِنجيل من أقوال تبشر برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وحتى تؤمنوا بما أنزل إليكم من ربكم من قرآن كريم يهدى إلى الرشد لأنكم مخاطبون به، ومطالبون بتنفيذ أوامره ونواهيه، ومحاسبون حساباً عسيراً على الكفر به، وعدم الإِذعان لما اشتمل عليه. والتعبير بقوله - تعالى - { لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ } فيه ما فيه من الاستخفاف بهم، والتهوين من شأنهم، أى لستم على شىء يعتد به ألبته من أمر الدين. وذلك كما يقول القائل عن أمر من الأمور هذا الأمر ليس بشىء يريد تحقيره وتصغير شأنه. وفى الأمثال، أقل من لا شىء. فالجملة الكريمة تنفى عنهم أن يكون فى أيديهم شىء من الحق والصواب ما داموا لم يؤمنوا بالنبى صلى الله عليه وسلم الذى بشرت به التوراة والإِنجيل وأنزل الله عليه القرآن وهو الكتاب المهيمن على الكتب السماوية السابقة. وقوله { وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ مَّآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً } جملة مستأنفة مبينة لغلوهم فى العناد والجحود، وناعية عليهم عدم انتفاعهم بما يشفى النفوس، ويصلح القلوب والضمير فى قوله { منهم } يعود إلى أهل الكتاب. أى وإن ما أنزلناه إليك يا محمد من هدايات وخيرات ليزيدن هؤلاء الضالين من أهل الكتاب طغيانا على طغيانهم. وكفراً على كفرهم لأن نفوسهم لا تميل إلى الحق والخير وإنما تنحدر نحو الباطل والشر. وقوله { فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } تذييل قصد به تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم والفاء للإِفصاح. والأسى الحزن. يقال أسى فلان على كذا يأى أسى إذا حزن. أى إذا كان شأن الكثيرين كذلك فلا تحزن عليهم، ولا تتأسف على القوم الكافرين فإنهم هم الذين استحبوا العمى على الهدى، وفى المؤمنين غنى لك عنهم. وليس المراد نهيه صلى الله عليه وسلم عن الحزن والأسى، لأنهما أمران طبيعيان لا قدرة للإِنسان عن صرفهما، وإنما المراد نهيه عن لوازمهما، كالإِكثار من محاولة تجديد شأن المصائب وتعظيم أمرها وبذلك تتجدد الآلام ويحزن القلب. ثم بين - سبحانه - بعد ذلك أن الناس أمامه سواء وأنه لا تفاضل بينهم إلا بالإِيمان والعمل الصالح، وأن الإِيمان الحق يقطع ما قبله من عقائد زائفة. وأفعال سيئة فقال - تعالى - { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ... }