الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ }

روى المفسرون فى سبب نزول هذه الآية روايات منها ما أخرجه ابن أبى حاتم عن جابر بن عبد الله الأنصارى قال لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى أنمار، نزل ذات الرقاع بأعلى نخل. فبينما هو جالس على رأس بئر قد دلى رجليه، فقال الحارث من بنى النجار لأقتلن محمدا فقال له أصحابه كيف تقتله؟ قال أقول له أعطنى سيفك، فإذا أعطانيه قتلته به. قال فأتاه فقال يا محمد. أعطنى سيفك أشيمه - أى أراه - فأعطاه إياه - فرعدت يده حتى سقط السيف من يده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حال الله بينك وبين ما تريد. فأنزل الله - تعالى - { يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ }.. الآية. قال الفخر الرازى - بعد أن ذكر عشرة أقوال فى سبب نزولها - واعلم أن هذه الروايات وإن كثرت إلا أن الأولى حمل الآية على أن الله - تعالى - آمنه من مكر اليهود والنصارى، وأمره بإظهار التبليغ من غير مبالاة منه بهم، وذلك لأن ما قبل هذه الآية بكثير وما بعدها بكثير لما كان كلاما مع اليهود والنصارى، امتنع إلقاء هذه الآية الواحدة على وجه تكون أجنبية عما قبلها وما بعدها. وهذا الذى قاله الإِمام الرازى هو الذى تسكن إليه النفس أى أن الآية الكريمة ساقها الله - تعالى - لتثبيت النبى صلى الله عليه وسلم وتقويه قلبه وأمره بالمضى فى تبليغ رسالته بدون خوف من أعدائه الذين حدثه عن مكرهم به وكراهتهم له، حديثا مستفيضاً، وقد بشره - سبحانه - فى هذه الآية بأنه حافظه من مكرهم وعاصمه من كيدهم. وقوله { بلغ } من التبليغ بمعنى إيصال الشىء إلى المطلوب إيصاله إليه. والمعنى { يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ } الكريم المرسل إلى الناس جميعا { بلغ } أى أوصل إليهم { مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } أى كل ما أنزل إليك من ربك من الأوامر والنواهى والأحكام والآداب والأخبار دون أن تخشى أحداً إلا الله. { وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ } ما أمرت به من إيصال وتبليغ جميع ما أنزل إليك من ربك إلى الناس { فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } أى وإن لم تبلغ كل ما أنزل إليك من ربك كنت كمن لم يبلغ شيئاً مما أوحاه الله إليه، لأن ترك بعض الرسالة يعتبر تركا لها كلها. وقد عبر عن هذا المعنى صاحب الكشاف بقوله قوله { وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ } أى وإن لم تبلغ جميعه كما أمرتك. { فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } أى فلم تبلغ إذا ما كلفت به من أداء الرسالة، ولم تؤد منها شيئاً قط، وذلك أن بعضها ليس بأولى بالأداء من بعض وإن لم تؤد بعضها فكأنك أغفلت أداءها جميعاً، كما أن من لم يؤمن ببعضها كان كمن لم يؤمن بكلها، لإِدلاء كل منها بما يدلى به غيرها، وكونها لذلك فى حكم شىء واحد.

السابقالتالي
2 3