الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَٰهُمْ جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ } * { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ }

المعنى { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ } من اليهود والنصارى { آمَنُواْ } برسول الله - صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من حق ونور { وَٱتَّقَوْاْ } الله - تعالى - بأن صانوا أنفسهم عن كل ما لا يرضاه. لو أنهم فعلوا ذلك { لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ } بأن رفعنا عنهم العقاب وسترنا عليهم معاصيهم فلم نحاسبهم عليها، { وَلأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } فى الآخرة. قال الفخر الرازى واعلم أنه - سبحانه - لما بالغ فى ذمهم وفى تهجين طريقتهم عقب ذلك ببيان أنهم لو آمنوا واتقوا لوجدوا سعادات الآخرة والدنيا. أما سعادات الآخرة فهى محصورة فى نوعين أحدهما رفع العقاب. والثانى إيصال الثواب. أما رفع العقاب فهو المراد بقوله { لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ } وأما إيصال التواب فهو المراد بقوله { وَلأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ }. وأما سعادات الدنيا فقد ذكرها فى قوله بعد ذلك { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ }. وكرر - سبحانه - اللام فى قوله { لَكَفَّرْنَا }. { وَلأَدْخَلْنَاهُمْ } لتأكيد الوعد. وفيه تنبيه إلى كثرة ذنوبهم ومعاصيهم وإلى أن الإِسلام يجب ما قبله من ذنوب مهما كثرت. وفى إضافة الجنات إلى النعيم إشارة إلى ما يستحقونه من العذاب لو لم يؤمنوا ويتقوا. وجمع - سبحانه - بين الإِيمان والتقوى، للإِيذان بأن الإِيمان الذى ينجى صاحبه، ويرفع درجاته، هو ما كان نابعا عن يقين وإخلاص وخشية من الله، لا إيمان المنافقين الذين يدعون الإِيمان وهو منهم برئ. والضمير فى قوله { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ } يعود إلى أهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين فتح الله لهم باب الإِيمان ليدخلوا فيه كى ينالوا رضاه. والمراد بإقامة التوراة والإِنجيل العمل بما فيهما من بشارات بصدق النبى صلى الله عليه وسلم وحضهم على الإِيمان به عند ظهوره وتنفيذ ما اشتملا عليه من أحكام أيدتها تعاليم الإِسلام، وأصل الإِقامة الثبات فى المكان. ثم استعير فى إقامة الشىء لتوفية حقه. والمراد بما أنزل إليهم من ربهم القرآن الكريم، لأنهم مخاطبون به، وليسوا خارجين عن دائرة التكاليف التى دعا إليها. قال - تعالى -وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ } أى لأنذركم به يا أهل مكة، ولأنذر به أيضاً جميع من بلغه هذا الكتاب من اليهود والنصارى وغيرهم. وقيل المراد بما أنزل إليهم من ربهم. وكتب أنبيائهم السابقين مثل كتاب شعياء، وكتاب حزقيل، وكتاب دانيال. فإنها مشتملة أيضاً على البشارة بالنبى صلى الله عليه وسلم. والمراد بقوله { لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم } المبالغة فى شرح ما ينعم الله به عليهم من خيرات وأرزاق تعمهم من كل جهة من الجهات لا أن هناك فوقا وتحتا. أى لأكلوا أكلا متصلا وفيراً، ولعمهم الخير والرزق من كل جهة بأن تعطيهم السماء مطرها وبركتها، وتعطيهم الأرض نباتها وخيرها، فيعيشوا فى رغد من العيش وفى بسطة من الرزق.

السابقالتالي
2