الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ } * { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } * { وَإِذَا جَآءُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَقَدْ دَّخَلُواْ بِٱلْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ } * { وَتَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ ٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ ٱلإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }

قال القرطبى قال ابن عباس جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عمن يؤمن به من الرسل - عليهم السلام - فقال نؤمن بالله وما أنزل إلينا، وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل إلى قوله ونحن له مسلمون ". فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته، وقالوا والله ما نعلم أهل دين أقل حظا فى الدنيا والآخرة منكم، ولا دينا شراً من دينكم. فنزلت هذه الآية وما بعدها. وتنقمون معناه تسخطون. وقيل تكرهون. وقيل تنكرون. والمعنى متقارب يقال نقم من كذا ينقم ونقم ينقم والأول أكثر.. وفى التنزيل وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ". وانتقم منه أى عاقبه والاسم النقمة والجمع نقم. والاستفهام، للانكار والتعجب من حالهم حيث يعيبون على المؤمنين ما هو المدح والثناء والتكريم. والمعنى قل يا محمد على سبيل التوبيخ لأهل الكتاب، والتعجيب من أحوالهم قل لهم { يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ } يا من كتابكم عرفكم مواطن الذم { هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ } أى ما تعيبون وتنكرون وتكرهون منا { إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ } الذى يجب الإِيمان به، والخضوع له، لأنه الخالق لكل شىء، وآمنا بما أنزل إلينا من القرآن الكريم وآمنا بما أنزل من قبل من كتب سماوية كالتوراة والإِنجيل والزبور وغير ذلك من الكتب التى أنزلها الله على أنبيائه قبل إنزال القرآن الكريم. ولا شك أن إيماننا بذلك لا يعاب ولا ينكر، بل يمدح ويشكر، ولكن لأن { أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ } - أى خارجون عن دائرة هذا الإِيمان الحق - كرهتم منا ذلك، وأنكرتموه علينا، وحسدتمونا على توفيق الله إيانا لما يحبه ويرضاه. وقال الجمل ما ملخصه وقوله { إِلاَّ أَنْ آمَنَّا } مفعول لقوله { تَنقِمُونَ } بمعنى تكرهون. وهو استثناء مفرغ. وقوله { منا } متعلق به. أى ما تكرهون من جهتنا إلا الإِيمان بالله وبما أنزل إلينا وأصل نقم أن يتعدى بعلى. تقول نقمت عليه بكذا. وإنما عدى هنا بمن لتضمنه معنى تكرهون وتنكرون. وقوله { وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ } يحتمل أن يكون فى محل رفع أو نصب أو جر فالرفع على أن يكون مبتدأ والخبر محذوف أى وفسقكم ثابت عندكم، لأنكم علمتم أنا على الحق وأنكم على الباطل إلا أن حب الرياسة وجمع الأموال حملكم على العناد. والنصب على أن يكون معطوفا على قوله { أن آمنا } ولكن الكلام فيه مضاف محذوف لفهم المعنى. والتقدير واعتقاد أن أكثرهم فاسقون وهو معنى واضح فإن الكفار ينقمون اعتقاد المؤمنين أنهم - أى الكفار - فاسقون - أى ما تعيبون منا إلا إيماننا بالله وما أنزل إلينا. واعتقادنا أن أكثركم فاسقون. وأما الجر فعلى أن يكون معطوفاً على علة محذوفة والتقدير ما تنقمون منا إلا الإِيمان بالله وبما أنزل.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7