الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَٱطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىۤ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ ٱلْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ ٱلَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }

قال الفخر الرازى اعلم أنه - تعالى - افتتح السورة بقولهيَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } وذلك لأنه حصل بين الرب وبين العبد عهد الربوبية وعهد العبودية. فقولهأَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } طلب الله - تعالى - من عباده أن يفوا بعهد العبودية. فكأنما قيل يا إلهنا العهد نوعان عهد الربوبية منك وعهد العبودية منا فأنت أولى بأن تقدم الوفاء بعهد الربوبية والإِحسان. فقال - تعالى - نعم أنا أوفى أولا بعهد الربوبية والكرم. معلوم أن منافع الدنيا محصورة فى نوعين لذات المطعم، ولذات المنكح فاستقصى - سبحانه - فى بيان ما يحل ويحرم من المطاعم والمناكح. وعند تمام هذا البيان كأنه يقول قد وفيت بعهد الربوبية فيما يطلب فى الدنيا من المنافع واللذات فاشتغل أنت فى الدنيا بالوفاء بعهد العبودية. ولما كان أعظم الطاعات بعد الإِيمان الصلاة وكانت الصلاة لا يمكن إقامتها إلا بالطهارة لا جرم بدأ - سبحانه - بذكر فرائض الوضوء فقال { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ }. والمراد بالقيام إلى الصلاة إرادة القيام إليها، والتهيؤ للدخول فيها من باب إطلاق المسبب وإرادة السبب، للايجاز وللتنبيه على أن الشأن فى المؤمنين أن يكونوا دائماً على ذكر من إرادتها وعدم الإِهمال فى أدائها. وإنما قلنا المراد بالقيام إلى الصلاة إرادتها لأنه لو بقى الكلام على حقيقته للزم تأخير الوضوء عن الصلاة، وهذا باطل بالإجماع. وليس المراد بالقيام انتصاب القامة أو ما يشبه ذلك، بل المراد به الاشتغال بأفعال الصلاة وأقوالها وكل ما يتعلق بذاتها. قال الآلوسى ما ملخصه وظاهر الآية يفيد وجوب الوضوء على كل قائم إلى الصلاة وإن لم يكن محدثا نظرا إلى عموم { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } من غير اختصاص بالمحدثين. لكن الإِجماع على خلاف ذلك، فقد أخرج مسلم وغيره " أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات الخمس يوم الفتح بوضوء واحد. فقال له عمر يا رسول صنعت شيئاً لم تكن تصنعه. فقال صلى الله عليه وسلم " عمداً فعلته يا عمر ". يعنى بيانا للجواز. فاستحسن الجمهور كون الآية مقيدة، والمعنى إذا قمتم إلى الصلاة وأنتم محدثون بقرينة دلالة الحال. ولأنه اشتراط الحدث فى البدل وهو التيمم، فلو لم يكن له مدخل فى الوضوء مع المدخلية فى التيمم لم يكن البدل بدلا. وقوله - تعالى - { فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً } صريح فى البدلية. ويحكى عن داود الظاهرى أنه أوجب الوضوء لكل صلاة لأن النبى صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده كانوا يتوضأون لكل صلاة، ورد بأن فعل النبى صلى الله عليه وسلم والخلفاء لا يدل على أكثر من الندب والاستحباب وقد ورد " من توضأ على طهر كتب الله - تعالى - له عشر حسنات ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد