الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاۤئِمٍ ذٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } * { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } * { وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْغَالِبُونَ }

قوله - تعالى - { مَن يَرْتَدَّ } من الارتداد. ومعناه الرجوع إلى الخلف ومنه قوله - تعالى - { رُدُّوهَا عَلَيَّ } أى ارجعوها على. وقولهإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرْتَدُّواْ عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ } والمراد بالارتداد هنا الرجوع عن دين الإِسلام إلى الكفر والضلال، والخروج من الحق الذى جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غيره من الأباطيل والأكاذيب. قالوا وفى هذه الآية الكريمة إشارة إلى أن من الذين دخلوا فى الإِسلام من سيرتد عنه إلى غيره من الكفر والضلال، وقد كان الأمر كما أشارت الآية الكريمة فقد ارتد عن الإِسلام بعض القبائل كقبيلة بنى حنيفة - قوم مسيلمة الكذاب - وقبيلة بنى أسد، وقبيلة بنى مدلج وغيرهم. وقد تصدى سيدنا أبو بكر الصديق ومن معه من المؤمنين الصادقين للمرتدين فكسروا شوكة الردة، وأعادوا لكلمة الإِسلام هيبتها وقوتها. قال الآلوسى ما ملخصه هذه الآية من الكائنات التى أخبر عنها القرآن قبل وقوعها - وقد وقع المخبر به على وفقها فيكون معجزاً - فقد روى أنه ارتد عن الإِسلام إحدى عشرة فرقة. ثلاث فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وهم " بنو مدلج، ورئيسهم الأسود العنسى و " بنو حنيفة " قوم مسيلمة الكذاب و " بنو أسد " قوم طليحة بن خويلد الأسدى. وسبع فى عهد أبى بكر وهم فزارة، وغطفان، وبنو سليم، وبنو يربوع، وبعض بنى تميم، وكنده، وبنو بكر ابن وائل. وارتدت فرقة واحدة فى عهد عمر وهى قبيلة " غسان قوم جبلة بن الأيهم ". والمعنى يا أيها الذين آمنوا لا يتخد أحد منكم أحدا من أعداء الله وليا ونصيراً لأن ولايتهم تفضى إلى مضرتكم وخسرانكم. بل وإلى ردتكم عن الحق الذى آمنتم به، ومن يرتدد منكم عن دينه الحق إلى غيره من الأديان الباطلة فلن يضر الله شيئا، لأنه - سبحانه - سوف يأتى بقوم آخرين مخلصين له، ومطيعين لأوامره، ومستجيبين لتعاليمه. بدل أولئك الذين ارتدوا على أدبارهم، وكفروا بعد إيمانهم. قال - تعالى -وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم } ولفظ { فسوف } جىء به هنا لتأكيد وقوع الأمر فى المستقبل، إذا ما ارتد بعض الناس على أدبارهم. وقد وصف الله - تعالى - أولئك القوم الذين يأتى بهم بدل الذين كفروا بعد إيمانهم، وصفهم بعدد من الصفات الحميدة، والسجايا الكريمة. وصفهم - أولا - بقوله { يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ }. ومحبة الله - تعالى - للمؤمنين هى أسمى نعمة يتعشقونها ويتطلعون إليها، ويرجون حصولها ودوامها. وهى - كما يقول الآلوسى - محبة تليق بشأنه على المعنى الذى أراده. ومن علاماتها أن يوفقهم - سبحانه - لطاعته، وأن ييسر لهم الخير فى كل شئونهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6