الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَىٰ أَوْلِيَآءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِٱلْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَآ أَسَرُّواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ } * { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَهُـۤؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ }

ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه الآيات الكريمة روايات منها ما رواه السدى من أنها نزلت فى رجلين قال أحدهما لصاحبه بعد واقعة أحد أما أنا فإنى ذاهب إلى ذلك اليهودى فأواليه واتهود معه لعله ينفعنى إذا وقع أمر أو حدث حادث. وقال الآخر وأما أنا فإنى ذاهب إلى فلان النصرانى بالشام فأواليه وانتصر معه. فأنزل الله تعالى الآيات. وقال عكرمة نزلت فى أبى لبابة بن عبد المنذر، حيث بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بنى قريظة فسألوه ماذا هو صانع بنا؟ فأشار بيده إلى حلقه، أى إنه الذبح. وقيل نزلت فى عبد الله بن أبى بن سلول فقد أخرج ابن جرير عن عطية بن سعد قال جاء عبادة بن الصامت من بنى الحارث بن الخزرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن لى موالى من يهود كثير عددهم. وإنى أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية يهود وأتولى الله ورسوله. فقال عبد الله بن أبى إنى رجل أخاف الدوائر، لا أبرأ من ولاية موالى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أُبى يا أبا الحباب، ما بخلت به من ولاية يهود على عبادة بن الصامت فهو إليك دونه قال قد قبلت. فأنزل الله تعالى { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَىٰ أَوْلِيَآءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ... } إلى قوله { نَادِمِينَ }. والخطاب فى قوله عز وجل { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَىٰ أَوْلِيَآءَ } للمؤمنين جميعا فى كل زمان ومكان، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. الأولياء جمع ولى ويطلق بمعنى النصير والصديق والحبيب. والمراد بالولاية هنا مصافاة أعداء الإِسلام والاستنصار بهم، والتحالف معهم دون المسلمين. أى يا أيها الذين آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.، لا يتخذ أحد منكم أحدا من اليهود والنصارى وليا ونصيرا، أى لا تصافوهم مصافاة الأحباب، ولا تستنصروا بهم، فإنهم جميعا يد واحدة عليكم، يبغونكم الغوائل، ويتربصون بكم الدوائر، فكيف يتوهم بينكم وبينهم موالاة؟. وقد نادى - سبحانه - المؤمنين بصفة الإِيمان، لحملهم من أول الأمر على الانزجار عما نهوا عنه، إذ أن وصفهم بما هو ضد صفات الفريقين - اليهود والنصارى - من أقوى الزواجر عن موالاتهما وقوله { بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } جملة مستأنفة بمثابة التعليل للنهى، والتأكيد لوجوب اجتناب المنهى عنه. أى لا تتخذوا أيها المؤمنون اليهود والنصارى أولياء، لأن بعض اليهود أولياء لبعض منهم، وبعض النصارى أولياء لبعض منهم، والكل يضمرون لكم البغضاء والشر، وهم وإن اختلفوا فيما بينهم، لكنهم متفقون على كراهية الإِسلام والمسلمين. وقوله { وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } تنفير من موالاة اليهود والنصارى بعد النهى عن ذلك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6