الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيّبَـٰتُ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِيۤ أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِٱلإِيمَٰنِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ }

قوله { ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ }. يصح أن يراد به اليوم الذى نزلت فيه. فإنه يجوز أن تكون هذه الآية وما قبلها من قوله - تعالى -ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ } ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } قد نزلت جميعها فى يوم واحد وهو يوم عرفة من عام حجة الوداع. ويصح أن يراد به الزمان الحاضر مع ما يتصل به من الماضى والمستقبل. والراد بالطيبات ما يستطاب ويشتهى مما أحله الشرع. والمراد بطعام الذين أوتوا الكتاب ذبائحهم خاصة. وهذا مذهب جمهور العلماء. قالوا لأن ما سوى الذبائح فهى محللة قبل أن كانت لأهل الكتاب، وبعد أن صارت لهم فلا يبقى لتخصيصها بأهل الكتاب فائدة. ولأن ما قبل هذه الآية فى بيان حكم الصيد والذبائح. فحمل هذه الآية عليه أولى، لأن سائر الطعام لا يختلف من تولاه من كتابى أو غيره. وإنما تختلف الذكاة. فلما خص أهل الكتاب بالذكر، دل على أن المراد بطعامهم ذبائحهم. وقيل المراد بطعام أهل الكتاب هنا الخبز والحبوب والفاكهة وغير ذلك مما لا يحتاج إلى تذكية. وينسب هذا القول إلى بعض طوائف الشيعة. وقيل المراد به ما يتناول ذبائحهم وغيرها من الأطعمة. وقد روى هذا القول عن ابن عباس، وأبي الدرداء، وقتادة ومجاهد وغيرهم. والمراد بالذين أوتوا الكتاب اليهود والنصارى. ال الآلوسى وحكم الصابئين كحكم أهل الكتاب عند أبى حنيفة. وقال صاحباه الصائبة صنفان صنف يقرأون الزبور ويعبدون الملائكة وصنف لا يقرأون كتابا ويعبدون النجوم فهؤلاء ليسوا من أهل الكتاب وأما المجوس فقد سن بهم سنة أهل الكتاب فى أخذ الجزية منهم دون أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم. واختلف العلماء فى حل ذبيحة اليهودى والنصرانى إذا ذكر عليها اسم غير الله - كعزير وعيسى - فقال ابن عمر لا تحل. وذهب أكثر أهل العلم إلى أنها تحل. وهو قول الشعبى وعطاء قالا فإن الله قد أحل ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون ". والمعنى إن الله أسبغ عليكم نعمه - أيها المؤمنون - وأكمل لكم دينه، ويسر لكم شرعه، ومن مظاهر ذلك أنه - سبحانه - أحل لكم التمتع بالطيبات، كما أحل لكم أن تأكلوا من ذبائح أهل الكتاب. وأن تطعموهم من طعامكم. قال ابن كثير وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء، أن ذبائحهم حلال للمسلمين، لأنهم يعتقدون تحريم الذبح لغير الله، ولا يذكرون على ذبائحهم إلا اسم الله، وإن اعتقدوا فيه ما هو منزه عنه - تعالى وتقدس -. وإنما قال { وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ } أى يحل لكم ان تطعموهم من طعامكم للتنبيه على أن الحكم مختلف فى الذبائح عن المناكحة. فإن إباحة الذبائح حاصلة من الجانبين، بخلاف إباحة المنكاحات فإنها فى جانب واحد، إذ لا يحل لغير المسلم أن يتزوج بمسلمة، لأنه لو جاز ذلك لكان لأزواجهن الكفار ولاية شرعية عليهن، والله - تعالى - لم يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا شرعيا، بخلاف إباحة الطعام من الجانبين فإنها لا تستلزم محظوراً.

السابقالتالي
2 3 4 5