الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

قال الجمل ما ملخصه قوله - تعالى - { وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ }.. إلخ. شروع فى بيان حكم السرقة الصغرى بعد بيان أحكام الكبرى. وقرأ الجمهور والسارق بالرفع وفيها وجهان أحدهما وهو مذهب سيبويه والمشهور من أقوال البصرين - أن السارق مبتدأ محذوف الخبر. والتقدير فيما يتلى عليكم أو فيما فرض عليكم السارق والسارقة. أى حكم السارق، ويكون قوله { فَٱقْطَعُوۤاْ } بيانا لذلك الحكم المقدر. فما بعد الفاء مرتبط بما قبلها، ولذلك أتى بها فيه لأنه هو المقصود. ولو لم يؤت بالفاء لتوهم أنه أجنبى، والكلام على هذا جملتان الأولى خبرية والثانية أمرية. والثانى وهو مذهب الأخفش وجماعة كثيرة - أنه مبتدأ - أيضاً - والخبر الجملة الأمرية من قوله { فَٱقْطَعُوۤاْ } وإنما دخلت الفاء فى الخبر، لأنه يشبه الشرط إذ الألف واللام فيه موصولة بمعنى الذى والتى والصفة صلتها، فهى فى قوة قولك والذى يسرق والتى تسرق فاقطعوا ". والمعنى { السارق } أى من الرجال { والسارقة } أى من النساء { فاقطعوا } أيديهما، أى فاقطعوا يد كل منهما الذكر إذا سرق قطعت يده. والأنثى إذا سرقت قطعت يدها. والخطاب فى قوله { فاقطعوا } لولاة الأمر الذين إليهم يرجع تنفيذ الحدود وجمع - سبحانه - اليد فقال " أيديهما " ولم يقل يديهما بالتثنية، لأن فصحاء العرب يستثقلون إضافة المثنى إلى ضمير التثنية. وقوله { جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ ٱللَّهِ } بيان لسبب هذه العقوبة وللحكمة التى من أجلها شرعت. أى اقطعوا أيديهما جزاء لهما بسبب فعلهما الخبيث، وكسبهما السىء، وخيانتهما القبيحة، ولكى يكون هذا القطع لأيديهما { نكالا } أى عبرة وزجرا من الله - تعالى - لغيرهما حتى يكف الناس عن ارتكاب هذه الجريمة. يقال نكل فلان بفلان تنكيلا أى صنع به صنيعًا يحذر غيره. والاسم النكال وهو ما نكلت به غيرك. وأصله من النكل - بالكسر - وهو القيد الشديد، وحديدة اللجام، لكونهما مانعين وجمعه انكال. وسميت هذه العقوبة نكالا، لأنها تجعل غير من نزلت به يخاف من ارتكابها حتى لا ينزل به ما نزل بمرتكبها من قطع ليده، وفضيحة لأمره. وقوله { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } أى والله - تعالى - غالب على أمره، حكيم فى شرائعه وتكاليفه. قال صاحب المنار ما ملخصه. وقد كانت العرب بدوها وحضرها تفهم الكثير من وضع اسماء الله - تعالى - فى الآيات بحسب المناسبة. ومن ذلك ما نقل الأصمعى أنه قال كنت أقرأ سورة المائدة، ومعى أعرابى، فقرأت هذه الآية فقلت { ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } سهوا فقال الأعرابى كلام من هذا؟ فقلت كلام الله. قال أعد فأعدت { ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ثم تنبهت فقلت { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } فقال الآن أصبت فقلت له.

السابقالتالي
2 3 4 5