الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ }

أورد المفسرين فى سبب نزول هذه الآية روايات منها ما أخرجه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير عن عدى بن حاتم وزيد بن مهلهل الطائيين أنهما سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا يا رسول الله، قد حرم الله الميتة فماذا يحل لنا منها؟ فنزلت هذه الآية. والمعنى يسألك أصحابك يا محمد ما الذى أحل لهم من المطاعم بعد أن عرفوا ما حرم منها؟ قل لهم أحل الله لكم الطيبات. والطيبات جمع طيب وهو الشىء المستلذ. وفسره بعضهم بالحلال. أى قل لهم أحل الله لكم الأطعمة الطيبة التى تستلذها النفوس المستقيمة وتستطيبها ولا تستقذرها، والتى لم يرد فى الشرع ما يحرمها ويمنع من تناولها. وفى قوله { يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ } التفاوت من الحاضر إلى الغائب، لأن فى السياق حكاية عنهم كما يقال أقسم فلان ليفعلن كذا، لأن هذا الالتفات أدعى إلى تنبيه الأذهان، وتوجيهها إلى ما يراد منها. وقد أمر الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتولى الجواب عن سؤالهم لأنه هو المبلغ للرسالة وهو المبين لهم ما خفى عليهم من أمور دينهم ودنياهم. وقوله { مَاذَآ } اسم استفهام مبتدأ، وقوله { أُحِلَّ لَكُمُ } خبره كقولك أى شىء أحل لهم. وجواب سؤالهم جاء فى قوله تعالى { قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ }. وقوله { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ مُكَلِّبِين } معطوف على الطيبات بتقدير مضاف و { ما } موصولة. والعائد محذوف. و { ٱلْجَوَارِحِ } جمع جارحة. وهى - كما يقال ابن جرير - الكواسب من سباع البهائم والطير. سميت جوارح لجرحها لأربابها، وكسبها إياهم أقواتهم من الصيد. يقال منه جرح فلان لأهله خيراً. إذا أكسبهم خيراً وفلان جارحة أهله. يعنى بذلك كاسبهم، ويقال لا جارحة لفلانة إذا لم يكن لها كاسب ". ومنه قوله - تعالى -وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِٱللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ } أى كسبتم بالنهار. وقيل سميت جوارح لأنها تجرح الصيد عند إمساكه. وقوله { مُكَلِّبِين } أى مؤدبين ومعودين لها على الصيد. فالتكليب تعليم الكلاب وما يشبهها الصيد. فهو اسم فاعل مشتق من اسم هذا الحيوان المعروف لأن التأديب أكثر ما يكون فى الكلاب. أو هو مشتق من الكلب بمعنى الضراوة. يقال كلب الكلب يكلب واستكلب أى ضرى وتعود نهش غيره وهو حال من فاعل علمتم. والمعنى أحل الله لكم الطيبات، وأحل لكم صيد ما علمتموه من الجوارح حال كونكم مؤدبين ومعودين لها على الصيد. وقوله { تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُ } فى محل نصب على أنه حال ثانية من فاعل { عَلَّمْتُمْ } أو من الضمير المستتر فى { مُكَلِّبِينَ }. أى تعلمون هذه الجوارح بعض ما علمكم الله إياه من فنون العلم والمعرفة بأن تدربوهن على وسائل التحاليل وعلى الطرق المتنوعة للاصطياد وعلى الانقياد لأمركم عند الإِرسال وعند الطلب، وعلى عدم الأكل من المصيد بعد صيده.

السابقالتالي
2 3 4