الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ ٱلنَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ }

المعنى { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بآياتنا وجحدوا الحق الذى جاءتهم به رسلنا { لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } أى لو أن لم جميع ما فى الأرض من أموال وخيرات ومنافع { وَمِثْلَهُ مَعَهُ } أى وضعفه معه، وقدموا كل ذلك { لِيَفْتَدُواْ بِهِ } أى ليخلصوا به أنفسهم { مِنْ عَذَابِ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ } أى ما قبله الله منهم، لأن سنته قد اقتضت أن تكون نجاة الإِنسان من العذاب يوم القيامة متوقفة على الإِيمان والعمل الصالح، لا على الأموال وما يشبهها من حطام الدنيا مهما عظم شأنها وكثر عددها. { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أى شديد فى آلامه وأوجاعه. فالآية الكريمة تبين ما أعده الله - تعالى - يوم القيامة للكافرين بآياته من عذاب أليم، لن يصرفه عنهم صارف مهما قدموا من ثمن، أو بذلوا من أموال. وقوله { لَوْ أَنَّ لَهُمْ } إلخ، جملة شرطية جوابها قوله تعالى { مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ } وهذه الجملة الشرطية وجوابها خبر إن فى قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ }. وصدرت الآية الكريمة بأداة التوكيد " إن " للرد على ما ينكره الكافرون من وقوع عذاب عليهم يوم القيامة فقد حكى القرآن عنهم أنهم قالوا { نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ }. والمراد بقوله { لَوْ أَنَّ لَهُمْ } أى لو أن لكل واحد منهم منفرداً، ما فى الأرض جميعا ومثله معه، وقدمه يوم القيامة ليخلص نفسه من العذاب، ما قبل منه ذلك الذى قدمه. وفى ذلك ما فيه من ثبوت العذاب عليهم ووقوعه بهم لا محالة. وقوله { جميعا } توكيد للموصول وهو { ما } فى قوله { مَّا فِي ٱلأَرْضِ } أو حال منه وقوله { ومثله } معطوف على اسم أن وهو { ما } الموصولة. وقوله معه ظرف واقع موقع الحال من المعطوف والضمير يعود إلى الموصول. وجاء الضمير المجرور فى قوله { لِيَفْتَدُواْ بِهِ } بصيغة الإِفراد، مع أن الذى تقدمه شيئان وهما ما فى الأرض جميعا ومثله. للإِشارة إلى أنهما لتلازمهما قد صارا بمنزلة شىء واحد. أو لإِجراء الضمير مجرى اسم الإِشارة بأن يؤول المرجع المتعدد بالمذكور أى ليفتدوا بذلك المذكور من عذاب يوم القيامة ما تقيل منهم. ونفى - سبحانه - قبول الفدية منهم بقوله { مَا تُقُبِّلَ مِنْهُم } لإِفادة تأكيد هذا النفى واستبعاده، إذ أن صيغة " التقبل " تدل على تكلف القبول أى أنه لا يمكن قبول الفداء منهم مهما قدموا من أموال ومهما بذلوا من محاولات فى سبيل الوصول لغرضهم. قال الفخر الرازى والمقصود من هذا الكلام التمثيل للزوم العذاب لهم، فإنه لا سبيل لهم إلى الخلاص منه. روى البخارى عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى عليه وسلم

السابقالتالي
2