الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱبْتَغُوۤاْ إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }

قوله { ٱتَّقُواْ } من التقوى بمعنى صيانة النفس عن كل ما يبغضه الله - تعالى -. وقوله { وَٱبْتَغُوۤاْ } من الابتغاء وهو الاجتهاد فى طلب الشىء. و { ٱلْوَسِيلَةَ } على وزن فعيلة بمعنى ما يتوصل به ويتقرب به إلى الله - تعالى -، من فعل الطاعات، واجتناب المعاصى، مأخوذة من وسل إلى كذا، أى تقرب إليه بشىء. وقيل الوسيلة الحاجة. قال الراغب الوسيلة التوصل إلى الشىء برغبة، وهى أخص من الوصيلة، لتضمنها معنى الرغبة، وحقيقة الوسيلة إلى الله مراعاة سبيله بالعلم والعبادة وتحرى مكارم الشريعة، وهى كالقربة. والواسل الراغب إلى الله - تعالى.. والمعنى يأيها الذين آمنوا بالحق الذى جاء به محمد صلى الله عليه وسلم { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أى خافوه وصونوا أنفسكم عن كل ما لا يرضيه { وَٱبْتَغُوۤاْ إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ } أى اطلبوا باجتهاد ونشاط الزلفى والقربى إليه عن طريق مداومتكم على فعل الطاعات، والتزود من الأعمال الصالحات، واجتناب المعاصى والمنكرات. { وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } أى وجاهدوا أنفسكم بكفها عن الأهواء، وكذلك جاهدوا أعداءكم حتى تكون كلمة الله هى العليا، رجاء أن تفوزوا بالفلاح والسعادة فى الدنيا والآخرة. وقد ناداهم - سبحانه - بصفة الإِيمان، لتحريك حرارة العقيدة فى قلوبهم وتوجيه عقولهم إلى ما يستدعيه الإِيمان من طاعة وإخلاص. وقوله { إليه } متعلق بالفعل قبله وهو { وابتغوا }. أو بلفظ { الوسيلة } لأنها بمعنى المتوسل به، وقدم الجار والمجرور لإفادة التخصيص. أى اطلبوا برغبة وشدة ما يقربكم إلى الله من الأعمال الصالحة، ولا تتقربوا إلى غيره إلا فى ظل طلب رضاه - سبحانه -. أو اطلبوا متوجهين إليه - سبحانه - حاجتكم، فإن بيده مقاليد السمٰوات والأرض، ولا تطلبوها متوجهين إلى غيره. وقد جاء لفظ الوسيلة فى الأحاديث النبوية على أنه اسم لأعلى الدرجات فى الجنة، وهذا المعنى متلاق مع أصل المعنى، وهو التقرب إلى الله والتوسل إليه وحده بالطاعات، لأن من يفعل ذلك ينال من الله - تعالى - أسمى الدرجات. وقد ساق الإِمام ابن كثير جملة من الأحاديث فى هذا المعنى فقال ما ملخصه الوسيلة القربة. كذا قال ابن عباس ومجاهد وأبووائل والحسن وقتادة وغير واحد. قال قتادة أى تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه. والوسيلة أيضاً علم على أعلى منزلة فى الجنة وهى منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وداره فى الجنة، وهى أقرب أمكنة الجنة إلى العرش. وقد ثبت فى صحيح البخارى عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من قال حين سمع النداء - أى الآذان - اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذى وعدته حلت له شفاعتى يوم القيامة ".

السابقالتالي
2 3 4