الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّمَا جَزَآءُ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوۤاْ أَوْ يُصَلَّبُوۤاْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ ٱلأَرْضِ ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قال ابن جرير اختلف أهل التأويل فيمن نزلت هذه الآية؟ فقال بعضهم نزلت فى قوم من أهل الكتاب كانوا أهل موادعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنقضوا العهد، وأفسدوا فى الأرض، فعرف الله نبيه الحكم فيهم... وقال آخرون نزلت فى قوم من المشركين. وقال آخرون بل نزلت فى قوم من عرينة وعكل - بضم العين وسكون الكاف - ارتدوا عن الإِسلام، وحاربوا الله ورسوله، فعن أنس أن رهطا من عكل وعربنة أتوا النبى صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله إنا أهل ضرع، ولم نكن أهل ريف، وإنا استوخمنا المدينة - أى وجدناها رديئة المناخ - فأمر لهم النبى صلى الله عليه وسلم بذود وراع - أى بعدد من الإِبل ومعهم راع -، وأمرهم أن يخرجوا بها، فيشربوا من ألبانها وأبوالها، فقتلوا الراعى، واستقاوا الذود، وكفروا بعد إسلامهم، فأتى بهم إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم، وتركهم فى الحرة حتى ماتوا، فذكر لنا أن هذه الآية نزلت فيهم. ثم قال ابن جرير وأولى الأقوال فى ذلك عندى أن يقال أنزل الله هذه الآية على نبيه صلى الله عليه وسلم لمعرفة حكمه على من حارب الله ورسوله، وسعى فى الأرض فسادا، بعد الذى كان من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرنيين ". والذى يراه ابن جرير أولى هو الذى تطمئن إليه النفس، فإن الآية الكريمة تبين عقاب قطاع الطرق الذين يحاربون النظام القائم للأمة، ويرتكبون جرائم القتل والنهب والسلب والسرقة سواء أكانوا من المشركين أم من غيرهم؟ إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وقوله سبحانه { يُحَارِبُونَ } من المحاربه. والمحاربة مفاعلة من الحرب وهى ضد السلم، والأصل فى معنى كلمة الحرب الأخذ والسلب. يقال حربه، إذا سلبه ماله، والمراد بالمحاربة هنا قطع الطريق على الآمنين بالاعتداء عليهم بالقتل أو السلب أو ما يشبه ذلك فى الجرائم التى حرمها الله - تعالى - ومحاربة الناس لله - تعالى - على وجه الحقيقة غير ممكنة، لتنزهه - سبحانه - عن أن يكون من الجواهر والأجسام التى تُقَاتلَ ولأن، المحاربة تستلزم أن يكون كل من المتحاربين فى وجهة ومكان والله منزه عن ذلك، فيكون التعبير مجازاً عن المخالفة لشرع الله، وارتكاب ما يغضبه أو المعنى يحاربون أولياء الله وأولياء رسوله وهم المسلمون فيكون الكلام على تقدير حذف مضاف. وصدر - سبحانه - الآية بلفظ إنما المفيد للقصر، لتأكيد العقاب، ولبيان أنه عقاب لا هوادة فيه، لأنه حد من حدود الله - تعالى - على تلك الجريمة النكراء التى تقوض بنيان الجماعة، وتهدم أمنها، وتزلزل كيانها، وتبعث الرعب والخوف فى نفوس أفرادها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8