الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَلاَ ٱلْهَدْيَ وَلاَ ٱلْقَلاۤئِدَ وَلاۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

قوله { لاَ تُحِلُّواْ } من الإِحلال الذى هو ضد التحريم. ومعنى عدم إحلالهم لشعائر الله تقرير حرمتها عملا واعتقادا، والالتزام بها بالطريقة التى قررتها شريعة الله. والشعائر جمع شعيرة - على وزن فعلية - وهى فى الأصل ما جعلت شعاراً على الشىء وعلامة عليه من الإِشعار بمعنى الإعلام. وكل شىء اشتهر فقد علم. يقال شعرت بكذا. أي علمته. والمراد بشعائر الله هنا حدوده التى حدها، وفرائضه التي فرضها وأحكامه التى أوجبها على عباده. ويرى بعضهم أن المراد بشعائر الله هنا مناسك الحج وما حرمه فيه من لبس للثياب فى أثناء الإحرام. ومن غير ذلك من الأفعال التى نهى الله عن فعلها فى ذلك الوقت فيكون المعنى. لا تحلوا ما حرم عليكم حال إحرامكم. والقول الأول أولى لشموله جميع التكاليف التى كلف الله بها عباده. وقد رجحه ابن جرير بقوله وأولى التأويلات بقوله { لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ } قول من قال لا تحلوا حرمات الله، ولا تضيعوا فرائضه. فيدخل فى ذلك مناسك الحج وغير ذلك من حدوده وفرائضه وحلاله وحرامه. وإنما قلنا ذلك القول أولى، لأن الله نهى عن استحلال شعائره ومعالم حدوده وإحلالها، نهيا عاماً من غير اختصاص شىء من ذلك دون شىء. فلم يجز لأحد أن يوجه معنى ذلك إلى الخصوص إلا بحجة يجب التسليم لها ولا حجة بذلك ". وأضاف - سبحانه - الشعائر إليه. تشريفا لها، وتهويلا للعقوبة التى تترتب على التهاون بحرمتها. وعلى مخالفة ما أمر الله به فى شأنها. وقوله { وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ } معطوف على شعائر الله. والمراد به الجنس. فيدخل فى ذلك جميع الاشهر الحرم. وهى أربعة ذو العقدة، وذو الحجة والمحرم، ورجب. وسمي الشهر حراماً باعتبار أن إيقاع القتال فيه حرام. أى لا تحلوا - أيها المؤمنون - القتال فى الشهر الحرام، ولا تبدأوا أعداءكم فيه بقتال. قال ابن كثير يعنى بقوله { وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ } تحريمه، والاعتراف بتعظيمه، وترك ما نهى الله عن تعاطيه فيه، من الابتداء بالقتال كما قال - تعالىيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ } وقال - تعالى -إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً } وفى صحيح البخارى عن أبى بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فى حجة الوداع " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض والسنة اثنا عشر شهراً. منها أربعة حرم " وهذا يدل على استمرار تحريمها إلى آخر وقت. كما هو مذهب طائفة من السلف. وذهب الجمهور إلى أن ذلك منسوخ. وأنه يجوز ابتداء القتال فى الأشهر الحرم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6