الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَٰرَىٰ نَحْنُ أَبْنَٰؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ }

قال الإِمام ابن كثير روى محمد بن إسحاق بن أبى حاتم وابن جرير عن ابن عباس قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من اليهود فكلموه وكلمهم ودعاهم إلى الله - تعالى - وحذرهم نقمته فقالوا ما تخوفنا يا محمد؟ نحن أبناء الله وأحباؤه كقول النصارى فأنزل الله - تعالى - فيهم. { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ }.. الآية. وقوله - تعالى - { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَارَىٰ } حكاية لما صدر عن الفريقين من أقاويل فاسدة ودعاوى باطلة، يدل على سفاهة عقولهم، وبلاده تفكيرهم، حيث قالوا فى حق الله - تعالى - ما لا يليق بعظمته - سبحانه -. قال الآلوسى ما ملخصه " ومرادهم بالأبناء المقربون. أى نحن مقربون عند الله - تعالى - قرب الأولاد من والدهم. ومن مرادهم بالأحباء جمع حبيب بمعنى محب أو محبوب. ويجوز أن يكون أرادوا من الأبناء الخاصة، كما يقال أبناء الدنيا وأبناء الآخرة. ويجوز أن يكونوا أرادوا بما قالوا أنهم أشياع وأتباع من وصف بالبنوة. أى قالت اليهود نحن أشياع ابنه عزير. وقالت النصارى نحن أشياع ابنه عيسى. وأطلق الأبناء على الأشياع مجازا إما تغليبا أو تشبيها لهم بالأبناء فى قرب المنزلة. وهذا كما يقول أتباع الملك نحن الملوك. وقيل الكلام على حذف المضاف. أى نحن أبناء أنبياء الله - تعالى - وهو خلاف الظاهر. ومقصود الفريقين بقوله - تعالى - حكاية عنهم { نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } هو المعنى المتضمن مدحا، وحاصل دعواهم أن لهم فضلا ومزية عند الله - تعالى - على سائر الخلق ". والمعنى وقالت طائفة اليهود التى تزعم أنها شعب الله المختار، وقالت طائفة النصارى التى تزعم أنها على الحق دون غيرهم قالت كل طائفة منهما نحن فى القرب من الله - تعالى - بمنزلة أبنائه المدللين، وأحبائه المختارين، فلنا من الفضل والمنزلة والتكريم ما ليس لغيرنا من البشر. والذى حملهم على هذا القول الباطل، جهلهم بما اشتلمت عليه كتبهم، وتخبطهم فى الكفر والضلال وفهمهم السقيم لمعانى الألفاظ. قال ابن كثير " ونقلوا عن كتبهم أن الله - تعالى - قال لعبده إسرائيل أنت ابنى بكرى. فحملوا هذا على غير تأويله وحرفوه. وقد رد عليهم غير واحد ممن أسلم من عقلائهم. وقالوا هذا يطلق عندهم على التشريف والإِكرام. كما نقل النصارى عن كتابهم أن عيسى قال لهم إنى ذاهب إلى أبى وأبيكم، يعنى ربى وربكم. ومعلوم أنهم لم يدعوا لأنفسهم من البنوة ما ادعوها فى عيسى - عليه السلام - وإنما أرادوا بذلك معزتهم لديه، وحظوتهم عنده، ولهذا قالوا { نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ }.

السابقالتالي
2 3