الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَآلُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ ٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

اللام فى قوله { لَّقَدْ كَفَرَ } واقعة جواباً لقسم مقدر. والمراد بالكفر ستر الحق وإنكاره، والانغماس فى الباطل والضلال. والمعنى أقسم لقد كفر أولئك النصارى الذين قالوا كذبا وزورا إن الله المستحق للعبادة والخضوع هو المسيح عيسى ابن مريم. قال بعض العلماء ما ملخصه " لقد اتفق النصارى على أن يسوع عندهم فيه عنصر إلهى " وإذا كان الأمر المعروف عندهم أن يسوع ابن الله وفيه عنصر إلهى فقد قالوا إن الألوهية قد حلت فيه. ولازم ذلك القول أن يكون هو الله، أو هو إله يعبد ومهما يكون فقد قالوا باتحاد عنصر الألوهية فيه. وقد قال فى ذلك البيضاوى " هم الذين قالوا بالاتحاد منهم. وقيل لم يصرح به أحد منهم. ولكنهم لما زعموا أن فيه لاهوتا، وقالوا لا إله إلا واحد لزمهم أن يكون هو المسيح فنسب إليهم لازم قولهم ". وذلك بلا ريب ينتهى إلى القول بأنهم يعتقدون أن المسيح هو الله، وإن لم يصرحوا بذلك، فهو لازم قولهم باتحاد عنصر الأولوهية فيه مع الله. وإن ذلك الكلام تخريج على أن النصارى مذهب واحد فى اعتقاد الألوهية وأنه ابن الله وبذلك يكون قوله - تعالى - فى أواخر هذه السورةلَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ } متلاقيا مع هذا النص الكريم فهنا صرح بلازم قولهم وهناك صرح بذات قولهم. والحقيقة أن النصارى اليوم - وهم لا يزالون يغيرون ويبدلون - يصرحون بأن الأقانيم ثلاثة. وأنها شىء واحد. وينتهون إلى أن المسيح هو الله، والله هو روح القدس. فقد قال الدكتور بوست فى تاريخ الكتاب المقدس " طبيعة الله عبارة عن ثلاثة أقانيم متساوية الجوهر هى الله الأب، والله الإِبن والله الروح القدس فإلى الأب ينتمى الخلق بواسطة الابن وإلى الابن الفداء، وإلى الروح القدس التطهير. غير أن ثلاثة الأقانيم تتقاسم جميع الأعمال على السواء. أما مسألة التثليث فغير واضحة فى العهد القديم، كما هى فى العهد الجديد ". وفى هذا الكلام يتبين أن النصارى يصرحون بأن الابن هو الله، ولا يكون الكلام بطريق اللازم لقولهم، بل بطريق الصريح منه. فهم يصرحون بأن الله هو الابن، كما أن الله هو الأب، كما أن الله هو روح القدس. هذا، وقد أمر الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم أن يرد على أولئك الذين قالوا { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ } بما يكشف عن جهلهم وضلالهم فقال - تعالى - { قل فَمَن يَمْلِكُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ ٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً }. أى قل - أيها الرسول الكريم - لهؤلاء النصارى الذين قالوا { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ } قل لهم على سبيل الإِنكار والتوبيخ والتجهيل من ذا الذى يملك من أمر الله وإرادته شيئاً يدفع به الهلاك عن المسيح وعن أمه وعن سائر أهل الأرض، إن أراد الله - سبحانه - أن يهلكهم ويبيدهم؟ لا شك أن أحدا لن يستطيع أن يمنع إرادته - سبحانه - لأنه هو المالك لأمر الوجود كله، ولا يملك أحد من أمره شيئاً يستطيع به أن يصرفه عن عمل يريده أو يحمله على أمر لا يريده، أو يستقل بعمل دونه.

السابقالتالي
2 3