الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَ ٱللَّهُ هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ ٱلصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { للَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

قال الآلوسى { قَالَ ٱللَّهُ } كلام مستأنف ختم به - سبحانه - حكاية ما حكى مما يقع يوم يجمع الله الرسل. وأشير إلى نتيجته ومآله. والمراد بقول الله - تعالى - عقيب جواب عيسى الإِشارة إلى صدقه ضمن بيان حال الصادقين الذين هو فى زمرتهم. والمراد باليوم فى قوله { هَـٰذَا يَوْمُ } يوم القيامة الذى تجازى فيه كل نفس بما كسبت وقد قرأ الجمهور برفع { يوم } من غير تنوين على أنه خبر لاسم الإِشارة أى قال الله - تعالى - إن هذا اليوم هو اليوم الذى ينتفع الصادقون فيه بصدقهم فى إيمانهم وأعمالهم، لأنه يوم الجزاء والعطاء على ما قدموا من خيرات فى دنياهم. أى أن صدقهم فى الدنيا ينفعهم يوم القيامة، بخلاف صدق الكفار يوم القيامة فإنه لا ينفعهم، لأنهم لم يكونوا مؤمنين فى دنياهم. وقرأ نافع يوم بالنصب من غير تنوين على أنه ظرف لقال. أى قال الله - تعالى - هذا القول لعيسى يوم ينفع الصادقين صدقهم. وقوله { لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } جملة مستأنفه لبيان مظاهر النفع الذى ظفر به الصادقون فى هذا اليوم. أى أن هؤلاء الصادقين فى دنياهم قد نالوا فى آخرتهم جنات تجرى من تحت أشجارها وسررها الأنهار { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } أى مقيمين فيها إقامة دائمة لا يعتريها انقطاع وقوله { رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ } أى رضى الله عنهم فأعطاهم بسبب إيمانهم الصادق وعملهم الصالح عطاء هو نهاية الآمال والأمانى. ورضوا عنه بسبب هذا العطاء الجزيل الذى لا تحيط العبارة بوصفه. واسم الإشارة فى قوله { ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } يعود إلى ما انتفع به الصادقون من جنات تجرى من تحتها الأنهار. ومن رضا الله عنهم. أى إلى النعيم الجثمانى المتمثل فى الجنات وما يتبعها من عيشة هنيئة، وإلى النعيم الروحانى المتمثل فى رضا الله عنهم. قال الفخر الرازى اعلم أنه - تعالى - لما أخبر أن صدق الصادقين فى الدنيا ينفعهم فى القيامة شرح كيفية ذلك النفع وهو الثواب. وحقيقة الثواب أنها منفعة خالصة دائمة مقرونة بالتعظيم، فقوله { لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } إشارة إلى المنفعة الخالصة عن الغموم والهموم، وقوله { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } إشارة إلى الدوام. واعتبر هذه الدقيقة فإنه أينما ذكر الثواب قال { خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً } وأينما ذكر العقاب للفساق من أهل الإِيمان، ذكر لفظ الخلود ولم يذكر معه التأييد، وأما قوله { رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ } فتحته أسرار عجيبة لا تسمح الأقلام بمثلها جعلنا الله من أهلها ". ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بهذه الآية الدالة على شمول ملكه لكل شىء فى هذا الكون فقال { للَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.