الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ ٱلزَّكَاةَ وَآمَنتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } * { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }

قال الفخر الرازى قوله - تعالى - { وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ } اعلم أن فى اتصال هذه الآية بما قبلها وجوه الأول أنه - تعالى - خاطب المؤمنين فيما تقدم فقالوَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ ٱلَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } ثم ذكر الآن أنه أخذ الميثاق من بنى إسرائيل لكنهم نقضوه وتركوا الوفاء به، فلا تكونوا - أيها المؤمنون - مثلهم فى هذا الخلق الذميم. الثانى أنه لما ذكر قولهٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ } وقد ذكرت بعض الروايات أنها نزلت فى اليهود، وأنهم أرادوا إيقاع الشر بالمؤمنين. فلما ذكر - سبحانه - ذلك أتبعه بذكر فضائحهم، وبيان أنهم كانوا أبدا مواظبين على نقض العهود والمواثيق. الثالث أن الغرض من الآيات المتقدمة ترغيب المكلفين فى قبول التكاليف وترك التمرد والعصيان. فذكر - سبحانه - أنه كلف من كان قبل المسلمين كما كلفهم ليعلموا أن عادة الله فى التكليف والالزام غير مخصوصة بهم، بل هى عادة جارية له مع جميع عباده ". والميثاق العهد الموثق المؤكد، مأخوذ من لفظ وثق المتضمن معنى الشد والربط على الشىء بقوة وإحكام. والمراد به ما أخذه الله على بنى إسرائيل لكى يؤدوا ما أوجب عليهم من تكاليف ولكى يعملوا بما تضمنته التوراة من أحكام وتشريعات وغير ذلك مما جاء فيها. والنقيب كبير القوم. والكفيل عليهم والمنقب عن أحوالهم وأسرارهم فيكون شاهدهم وضمينهم وعريفهم، وأصله من النقب وهو الثقب الواسع. قال الآلوسى والنقيب قيل فعيل بمعنى فاعل مشتق من النقب بمعنى التفتيش ومنهفَنَقَّبُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ } وسمى بذلك لتفتيشه عن أحوال القوم وأمرهم. قال الزجاج وأصله من النقيب وهو الثقب الواسع والطريق فى الجبل ويقول فلان حسن النقيبة. أى جميل الخليقة، ويقال فلان نقاب للعالم بالأشياء، الذكى القلب، الكثير البحث عن الأمور. والمعنى ولقد أخذ الله العهود المؤكدة على بنى إسرائيل. لكى يعملوا بما كلفهم من تكاليف، وأمر نبيه موسى - عليه السلام - أن يختار منهم اثنى عشر نقيبا. وأن يرسل هؤلاء النقباء إلى الأرض المقدسة لكى يطلعوا على أحوال ساكنيها، ثم يخبروا نبيهم موسى - عليه السلام - بعد ذلك بما شاهدوه من أحوالهم. وسنفصل القول فى شأن بعث هؤلاء النقباء عند تفسيرنا لقوله - تعالى - بعد ذلكوَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً } وأكد - سبحانه - ما أخذه على بنى إسرائيل من عهود بقد وباللام، للاهتمام بشأن هذا الخبر، ولترغيب المؤمنين فى الوفاء بعهودهم مع الله - تعالى - حتى لا يصيبهم ما أصاب بنى إسرائيل من عقوبات بسبب نقضهم لمواثيقهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6