الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } * { مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } * { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

قوله { وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ } معطوف على قوله - تعالى - قبل ذلكإِذْ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ } والخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم وهذا القول إنما يكون فى الآخرة - على الصحيح - والمعنى واذكر أيها الرسول الكريم وليذكر معك كل مكلف وقت أن يسأل الله - تعالى - عبده ورسوله عيسى فيقول له يا عيسى أأنت قلت للناس { ٱتَّخِذُونِي } أى اجعلونى { وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ } أى من غير الله. قال القرطبى اختلف فى وقت هذه المقالة، فقال قتادة وابن جرير وأكثر المفسرين إنما يقول له هذا يوم القيامة. وقال السدى وقطرب قال له ذلك حين رفعه إلى السماء وقالت النصارى فيه ما قالت فإن { إذ } فى كلام العرب لما مضى والأول أصح، يدل عليه ما قبله من قولهيَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ } الآية. كما يدل عليه ما بعده وهو قولههَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ ٱلصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ. } وعلى هذا تكون إذ بمعنى إذا كما فى قولهوَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُواْ فَلاَ فَوْتَ } أى إذا فزعوا فعبر عن المستقبل بلفظ الماضى. لأنه لتحقيق أمره وظهور برهانه. كأنه قد وقع. وكان النداء بقوله - سبحانه - { يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ } أى بغير ذكر النبوة، للإِشارة إلى الولادة الطبيعية التى تنفى أن يكون إلها أو ابن إله أو فيه عنصر الألوهية بأى وضع من الأوضاع لأن الألوهية والبشرية نقيضان لا يجتمعان فلا يمكن أن يكون البشر فيه ألوهية، ولا إله فيه بشرية. والتعبير بقوله { ٱتَّخِذُونِي } يدل على أنه ليس له حقيقة، بل هو فى ذاته اتخاذ بما لا أصل له. والمقصود بالاستفهام فى قوله { أَأَنتَ قُلتَ } توبيخ للكفرة من قومه وتبكيت كل من نسب إلى عيسى وأمه ما ليس من حقهما، وفضيحتهم على رءوس الأشهاد فى ذلك اليوم العصيب، لأن عيسى سينفى عن نفسه أمامهم أنه قال ذلك " وإنما هو أمرهم بعبادة الله وحده. ولا شك أن النفى يعد السؤال أبلغ فى التكذيب وأشد فى التوبيخ والتقريع وادعى لقيام الحجة على من وصفوه بما هو برئ منه. قال الآلوسى واستشكلت الآية بأنه لا يعلم أن أحداً من النصارى اتخذ مريم إلها. وأجيب عنه بأجوبة. الأول أنهم لما جعلوا عيسى إلها لزمهم أن يجعلوا والدته أيضاً كذلك لأن الولد من جنس من يلده، فذكر { إِلَـٰهَيْنِ } على طريق الإِلزام لهم. والثانى أنهم لما عظموها تعظيم الإِله أطلق عليها اسم الإِله كما أطلق اسم الرب على الأحبار والرهبان فى قولهٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ } والثالث أنه يحتمل أن يكون فيهم من قال بذلك.

السابقالتالي
2 3 4 5