الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى ٱلْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوۤاْ آمَنَّا وَٱشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ } * { إِذْ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ قَالَ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ } * { قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ ٱلشَّاهِدِينَ } * { قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ ٱللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنْكَ وَٱرْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } * { قَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّيۤ أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ }

قال ابن كثير ما ملخصه وقوله { وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى ٱلْحَوَارِيِّينَ } هذا أيضاً من الامتنان على عيسى، بأن جعل الله له أصحاباً وأنصاراً - وهم الحواريون - والمراد بهذا الوحى الإِلهام كما فى قولهوَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ } وكما فى قولهوَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ } وقال بعض السلف فى هذه الآية { وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى ٱلْحَوَارِيِّينَ } أى ألهموا ذلك فامتثلوا ما الهموا. فأنت ترى أن الإِمام ابن كثير يرى أن المراد بالوحى هنا الإِلهام. وعلى ذلك كثير من المفسرين، ومنهم من يرى أن المراد بقوله { وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى ٱلْحَوَارِيِّينَ } أى مرتهم فى الإِنجيل على لسانك أو أمرتهم على ألسنة رسلى. قال الآلوسى معززاً هذا الرأى وقد جاء استعمال الوحى بمعنى الأمر فى كلام العرب، كما قال الزجاج وأنشد
الحمد لله الذى استقلت بإذنه السماء وأطمأنت أوحى لها القرار فاستقرت   
أى أمرها أن تقر فامتثلت. والحواريون جمع حوارى. وهم أنصار عيسى الذين لازموه وآمنوا به وصدقوه. وكانوا عونا له فى الدعوة إلى الحق. يقال فلان حوارى فلان. أى خاصته من أصحابه. ومنه قول النبى صلى الله عليه وسلم فى الزبير بن العوام " لكل نبى حوارى وحوارى الزبير ". وأصل مادة " حور " الدلالة على شدة الصفاء ونصوع البياض، ولذلك قالوا فى خالص لباب الدقيق الحوارى وقالوا فى النساء البيض الحواريات والحوريات. وقد سمى الله - تعالى - أنصار عيسى بالحواريين، لأنهم أخلصوا لله نياتهم، وطهروا نفوسهم من النفاق والخداع فصاروا فى نقائهم وصفائهم كالشىء الأبيض الخالص البياض. قال الراغب والحواريون أنصار عيسى - عليه السلام - قيل كانوا صيادين وقال بعض العلماء إنما سموا حواريين لأنهم كانوا يطهرون نفوس الناس بإفادتهم الدين والعلم. والمعنى اذكر نعمتى عليك - يا عيسى - حين { أَوْحَيْتُ إِلَى ٱلْحَوَارِيِّينَ } بطريق الإِلهام أو بطريق الأمر على لسانك، وقلت لهم { أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي } أى آمنوا وصدقوا بأنى أنا الواحد الأحد المستحق للعبادة والخضوع وآمنوا برسولى عيسى بأنه مرسل من جهتى لهدايتكم وسعادتكم. وفى ذكر كلمة { برسولي } إشارة إلى مقامه من الله - عز وجل - وانفصال شخصه عن ذات الله - سبحانه - وأن عيسى ما هو إلا رسول من رب العالمين وأن من زعموا أنه غير ذلك جاهلون وضالون. وقوله { قَالُوۤاْ آمَنَّا وَٱشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ } حكاية لما نطق به الحواريون من إيمان وطاعة. أى أن الحورايين عندما دعوا إلى الدين الحق { قَالُوۤاْ آمَنَّا } بأن الله هو الواحد الأحد المستحق للعبادة وأنه لا والد له ولا ولد. ثم أكدوا إيمانهم هذا، بأن قالوا { وَٱشْهَدْ } علينا يا آلهنا واشهد لنا يا عيسى يوم القيامة { بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ } أى منقادون لكل ما جئتنا به وما تدعونا إليه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9