الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }

قوله { عَلَيْكُمْ } اسم فعل أمر بمعنى الزموا وقوله { أَنْفُسَكُمْ } منصوب على الإِغراء بقوله { عَلَيْكُمْ }. قال الجمل واختلف النحويون فى الضمير المتصل بها - أى بكلمة { عَلَيْكُمْ } - والصحيح أنه فى موضع جر كما كان قبل أن تنقل الكلمة إلى الإغراء ". والمعنى يأيها الذين آمنوا بالله إيمانا حقا، الزموا العمل بطاعة الله، بأن تؤدوا ما أمركم به، وتنتهوا عما نهاكم عنه، وأنتم بعد ذلك " لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " أى لا يضركم ضلال من ضل وغوى، ما دمتم أنتم قد أديتم حق أنفسكم عليكم بصيانتها عما يغضب الله وأديتم حق غيركم عليكم بإرشاده ونصحه وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر. فإن أبى هذا الغير الاستجابة لكم بعد النصح والإِرشاد والأخذ على يده من الوقوع فى الظلم فلا ضير عليكم فى تماديه فى غيه وضلاله، فإن مصيركم ومرجعكم جميعاً إلى الله - تعالى - وحده { فَيُنَبِّئُكُمْ } يوم القيامة { بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } فى الدنيا من خير أو شر، ويجازى أهل الخير بما يستحقون من ثواب، ويجازى أهل الشر بما يستحقون من عقاب. هذا، وقد يقول قائل إن ظاهر هذه الآية قد يفهم منه بعض الناس، أنه لا يضر المؤمنين أن يتركوا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ما داموا قد أصلحوا أنفسهم، لأنها تقول { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ } فهل هذا الفهم مقبول؟ والجواب على ذلك، أن هذا الفهم ليس مقبولا، لأن الآية الكريمة مسوقة لتسلية المؤمنين، ولإِدخال الطمأنينة، على قلوبهم إذا لم يجدوا أذنا صاغية لدعوتهم. فكأنها تقول لهم إنكم - أيها المؤمنون - إذا قمتم بما يجب عليكم، لا يضركم تقصير غيركم. ولا شك أن مما يجب عليهم القيام به الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، إذ لا يكون المرء مهتديا إلى الحق مع تركه لفريضة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وإنما يكون مهتديا متى أصلح نفسه ودعا غيره إلى الخير والصلاح. أى أن الهداية التى ذكرها - سبحانه - فى قولهم { إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ } لا تتم إلا بإصلاح النفس ودعوة الغير إلى الخير والبر. وقد أشار صاحب الكشاف إلى هذه المعانى بقوله كان المؤمنون تذهب أنفسهم حسرة على أهل العتو والعناد من الكفرة، يتمنون دخولهم فى الإِسلام، فقيل لهم { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ } وما كلفتم من إصلاحها والمشى بها فى طرق الهدى { لاَ يَضُرُّكُمْ } الضلال عن دينكم إذا كنتم مهتدين. وليس المراد ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فإن من تركهما مع القدرة عليهما لا يكون مهتديا، وإنما هو بعض الضلال الذين فصلت الآية بينهم وبينه. ويبدو أن هذه الآية الكريمة قد فهمها بعض الناس فهما غير سليم - حتى فى الصدر الأول من الإِسلام.

السابقالتالي
2