الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهَا وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } * { قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ }

قد ذكر المفسرون فى سبب نزول هاتين الآيتين روايات متعددة، منها ما حكاه القرطبى فى قوله روى البخارى ومسلم وغيرهما - واللفظ للبخارى - عن أنس قال " قال رجل للنبى صلى الله عليه وسلم يا رسول الله من أبى؟ قال " أبوك فلان ". وخرج البخارى أيضا عن أنس عن النبى صلى الله عليه وسلم وفيه " فوالله لا تسألونى عن شىء إلا أخبرتكم به ما دمت فى مقامى هذا " فقام إليه رجل فقال أين مدخلى يا رسول الله؟ قال " النار " فقام عبد الله بن حذافة - وكان إذا لا حى يدعى إلى غيره أبيه - فقال من أبى يا رسول الله؟ فقال أبوك حذافة ". وروى الدارقطنى والترمذى عن على رضى الله عنه قال لما نزلت هذه الآيةوَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } قالوا " يا رسول الله، أفى كل عام؟ فسكت. فقالوا أفى كل عام؟ قال " لا ولو قلت نعم لوجبت " فأنزل الله تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ }.. الآية. وروى مجاهد عن ابن عباس أنها نزلت فى قوم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحيرة والسائبة والوصيلة والحام. ثم قال القرطبى ويحتمل أن تكون الآية نزلت جوابا للجميع، فيكون السؤال قريبا بعضه من بعض ". والمعنى يا أيها الذين آمنوا بالله حق الإِيمان، لا تسألوا نبيكم صلى الله عليه وسلم أو غيره، عن أشياء تتعلق بالعقيدة أو بالأحكام الشرعية أو بغيرها. هذه الأشياء { إِن تُبْدَ لَكُمْ } وتظهر { تَسُؤْكُمْ } أى تغمكم وتحزنكم وتندموا على السؤال عنها لما يترتب عليها من إحراجكم. ومن المشقة عليكم، ومن الفضيحة لبعضكم. فالآية الكريمة - كما يقول ابن كثير - تأديب من الله لعباده المؤمنين، ونهى لهم عن أن يسألوا عن أشياء مما لا فائدة لهم فى السؤال والتنقيب عنها، لأنها إن ظهرت لهم تلك الأمور ربما ساءتهم، وشق عليهم سماعها، كما جاء فى الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يبلغنى أحد عن أحد شيئا، فإنى أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر ". وقد وجه - سبحانه - النداء إليهم بصفة الإِيمان، لتحريك حرارة العقيدة فى نفوسهم، حتى يستجيبوا بسرعة ورغبة إلى ما كلفوا به. وقوله { أشياء } اسم جمع من لفظ شىء، فهو مفرد لفظا جمع معنى كطرفاء وقصباء - وهذا رأى الخليل وسيبويه وجمهور البصريين -. ويرى الفراء أن أشياء جمع لشىء. وهو ممنوع من الصرف لألف التأنيث الممدودة، ومتعلق بقوله { تسألوا }.

السابقالتالي
2 3 4 5 6