الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } * { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ } * { يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ }

قوله { قَوَّامِينَ } جمع قوام. وهو صيغة مبالغة من قائم. والقوام هو المبالغ فى القيام بالشىء. وفى الإِتيان به على أتم وجه وأحسنه. وقوله { شُهَدَآءَ } جمع شهيد - بوزن فعيل - والأصل فى هذه الصيغة، دلالتها على الصفات الراسخة فى النفس ككريم وحكيم. والقسط العدل يقال أقسط فلان يقسط إذا عدل فى أقواله وأحكامه. وقوله { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ } أى ولا يحملنكم من جرمه على كذا إذا حمله عليه أو معناه ولا يكسبنكم من جرم بمعنى كسب غير أنه فى كسب ما لا خير فيه ومنه الجريمة. وأصل الجرم قطع الثمرة من الشجرة وأطلق على الكسب لأن الكاسب ينقطع لكسبه. والشنآن البغض الشديد. يقال شنئت الرجل أشنؤه شنأ وشنأه وشنآنا، إذا أبغضته بغضاً شديداً. والمعنى يأيها الذين آمنوا بالحق إيماناً صادقاً { كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ } أى. ليكن من أخلاقكم وصفاتكم أن تقوموا لله وحده بالحق فى كل ما يلزمكم القيام به. ومن العمل بطاعته، واجتناب منهياته، وليكن من دأبكم وشأنكم - أيضاً - أن تلتزموا العدل فى شهادتكم، ولا يحملنكم بغضكم الشديد لقوم على عدم العدل معهم، فإن عدم العدل فى الأقوال والأحكام يتنافى مع تعاليم دين الإِسلام. الذى آمنتم به، ورضيه الله لكم دينا. وفى ندائه - سبحانه - بقوله { كُونُواْ قَوَّامِينَ } بصفة الكينونة الدالة على الدوام، وبصيغة المبالغة الدالة على الكثرة. لتمكين صفة الطاعة له من نفوسهم، وترسيخها فى قلوبهم. فكأنه - سبحانه - يقول لهم روضوا أنفسكم على طاعة خالقكم، وعودوها على التزام الحق والعدل. واجعلوا ذلك شأنكم فى جميع الظروف والأحوال فلا يكفى أن تلتزموا الطاعة والعدل مرة أو مرتين، وإنما الواجب عليكم أن يكون التزامكم لذلك فى كل أوقاتكم وأعمالكم. وقوله { ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ } تصريح بوجوب العدل بعد ما علم من النهى عن تركه فى قوله { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ } للتأكيد على وجوب التزامهم بما أمرهم - سبحانه - به وما نهاهم عنه، ولبيان العلة فى تكليفهم بذلك. والضمير { هو } يعود إلى المصدر المفهوم من قوله { ٱعْدِلُواْ }. أى التزموا - أيها المؤمنون - العدل فى كل أحوالكم، فإن العدل مع الأعداء ومع غيرهم أقرب إلى اتقاء المعاصى، وإلى صيانة النفس عن الوقوع فى المهالك. وقال - سبحانه { ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ } مع أن العدل دليل التقوى ولبابها لأن المؤمن فى حال حربه وتعامله مع عدوه قد يرى أن من التقوى أن يستبيح ماله، وأن يأخذ منه ما يمكن أخذه، فبين له القرآن الكريم أن الأقرب إلى التقوى التامة أن يحسن معاملة عدوه، وأن لا يعتدى على حق من حقوقه.

السابقالتالي
2 3 4 5