الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمْتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } * { وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

افتتحت سورة " الحجرات " بهذا النداء المحبب إلى القلوب، ألا وهو الوصف بالإِيمان، الذى من شأن المتصفين به، أن يمتثلوا لما يأمرهم الله - تعالى - به، ويجتنبوا ما ينهاهم عنه. افتتحت بقوله - تعالى - { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ }. وقوله { تُقَدِّمُواْ } مضارع قَدِم اللازم بمعنى تقدم، ومنه مقدمة الجيش ومقدمة الكتاب - بكسر الدال فيهما - وهو اسم فاعل فيهما بمعنى تقدم. ويصح أن يكون مضارع قدَّم المتعدى، تقول قدمت فلانا على فلان، إذا جعلته متقدما عليه، وحذف المفعول لقصد التعميم. وقوله { بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } تشبيه لمن يتعجل فى إصدار حكم من أحكام الدين بغير استناد إلى حكم الله ورسوله، بحالة من يتقدم بين يدى سيده أو رئيسه، بأن يسير أمامه فى الطريق، أو على يمينه أو شماله. وحقيقة الجلوس بين يدى الشخص أن يجلس بين الجهتين المقابلتين ليمينه أو شماله قريبا منه أو أمامه. قال الجمل قوله { بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } جرت هذه العبارة هنا على سنن من المجاز، وهو الذى يسميه أهل البيان تمثيلا، أى استعارة تمثيلية، شُبِّه تعجل الصحابة فى إقدامهم على قطع الحكم فى أمر من أمور الدين، بغير إذن الله ورسوله، بحالة من تقدم بين يدى متبوعه إذا سار فى طريق، فإنه فى العادة مستهجن.. والغرض تصوير كمال الهجنة، وتقبيح قطع الحكم بغير إذن الله ورسوله. أو المراد بين يدى رسول الله، وذكر لفظ الجلالة على سبيل التعظيم للرسول - صلى الله عليه وسلم وإشعار بأنه من الله بمكان يوجب إجلاله. والمعنى يا من آمنتم بالله - تعالى - حق الإِيمان احذروا أن تتسرعوا فى الأحكام، فتقولوا قولا، أو تفعلوا فعلا يتعلق بأمر دينى، دون أن تستندوا فى ذلك إلى الله - تعالى - وحكم رسوله - صلى الله عليه وسلم - { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } - تعالى - فى كل ما تأتون وتذرون، إن الله سميع لأقوالكم، عليم بجميع أحوالكم. قال الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية هذه آداب أدب الله - تعالى بها عباده المؤمنين، فيما يعاملون به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من التوقير والاحترام والتبجيل والإِعظام. فقال { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ }. أى لا تسرعوا فى الأشياء بين يديه. أى قبله، بل كونوا تبعا له فى جميع الأمور، حتى يدخل فى عموم هذا الأدب الشرعى، حديق معاذ، إذ قال له النبى - صلى الله عليه وسلم - حين بعثه إلى اليمن " بم تحكم؟ قال بكتاب الله، قال فإن لم تجد؟ قال فبسنة رسول الله، قال فإن لم تجد؟ قال أجتهد رأيى ".

السابقالتالي
2 3 4 5