الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ } * { قُلْ أَتُعَلِّمُونَ ٱللَّهَ بِدِينِكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } * { إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }

والإِعراب اسم جنس لبدو العرب، واحده أعرابى، وهم الذين يسكنون البادية. والمراد بهم هنا جماعة منهم لا كلهم، لأن منهم،مَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ ٱللَّهِ وَصَلَوَاتِ ٱلرَّسُولِ أَلاۤ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ } قال الآلوسى قال مجاهد نزلت هذه الآيات فى بنى أسد، وهم قبيلة كانت تسكن بجوار المدينة، أظهروا الإِسلام، وقلوبهم دغلة، إنما يحبون المغانم وعرض الدنيا.. ويروى أنهم قدموا المدينة فى سنة مجدبة، فأظهروا الشهادتين، وكانوا يقولون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - جئناك بالأثقال والعيال، ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان.. يمنون بذلك على النبى - صلى الله عليه وسلم -. وقوله - سبحانه - { قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا } من الإِيمان، وهو التصديق القلبى، والإِذعان النفسى والعمل بما يقتضيه هذا الإِيمان من طاعة لله - تعالى - ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -. وقوله { أَسْلَمْنَا } من الإِسلام بمعنى الاستسلام والانقياد الظاهرى بالجوارح، دون أن يخالط الإِيمان شغاف قلوبهم. أى قالت الأعراب لك - أيها الرسول الكريم - آمنا وصدقنا بقلوبنا لكل ما جئت به، وامتثلنا لما تأمرنا به وتنهانا عنه. قل لهم { لَّمْ تُؤْمِنُواْ } أى لم تصدقوا تصديقا صحيحا عن اعتقاد قلب وخلوص نية.. { وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا } أى ولكن قولوا نطقنا بكلمة الإِسلام واستسلمنا لما تدعونا إليه إستسلاما ظاهريا طمعا فى الغنائم، أو خوفا من القتل. قال صاحب الكشاف فإن قلت ما وجه قوله - تعالى - { قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا } والذى يقتضيه نظم الكلام أن يقال قل لا تقولوا آمنا، ولكن قولوا أسلمنا... قلت أفاد هذا النظم تكذيب دعواهم أولا، ودفع ما انتحلوه، فقيل قل لم تؤمنوا، وروعى فى هذا النوع من التكذيب أدب حسن حين لم يصرح بلفظه، حيث لم يقل كذبتم، ووضع، " لم تؤمنوا " الذى هو نفى ما ادعوا إثباته موضعه.. واستغنى بالجملة التى هى " لم تؤمنوا " عن أن يقال لا تقولوا آمنا، لاستهجان أن يخاطبوا بلفظ مؤداه النهى عن القول بالإِيمان.. وقوله { وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } جملة حالية من ضمير، " قولوا " و " لما " لفظ يفيد توقع حصول الشئ الذى لم يتم حصوله. أى قولوا أسلمنا والحال أنه لم يستقر الإِيمان فى قلوبكم بعد، فإنه لو استقر فى قلوبكم لما سلكتم هذا المسلك، ولما مننتم على الرسول - صلى الله عليه وسلم - بإسلامكم. قال الإِمام ابن كثير ما ملخصه وقد استفيد من هذه الآية الكريمة أن الإِيمان أخص من الإِسلام كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، ويدل عليه حديث جبريل، حين سأل عن الإِسلام.

السابقالتالي
2 3 4