الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }

وقد ورد فى سبب نزول هذه الآية روايات منها أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر بنى بياضة أن يزوجوا امرأة منهم لأبى هند - وكان حجاما للنبى - صلى الله عليه وسلم - فقالوا يا رسول الله، نزوج بناتنا - موالينا - أى عبيدنا، فأنزل الله - تعالى - هذه الآية. والمراد بالذكر والأنثى آدم وحواء. أى خلقناكم جميعا من أب واحد ومن أم واحدة، فأنتم جميعا تنتسبون إلى أصل واحد، ويجمعكم وعاء واحد، وما دام الأمر كذلك فلا وجه للتفاخر بالحساب والأنساب. قال الآلوسى أى خلقناكم من آدم وحواء، فالكل سواء فى ذلك، فلا وجه للتفاخر بالنسب، كما قال الشاعر
الناس فى عالم التمثيل أكفاء أبوهم آدم والأم حواء.   
وجوز أن يكون المراد هنا إنا خلقنا كل واحد منكم من أب وأم، ويبعده عدم ظهور ترتب ذم التفاخر بالنسب عليه، والكلام مساق له.. وقوله { وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ... } بيان لما ترتب على خلقهم على تلك الصورة، وللحكمة من ذلك. والشعوب جمع شعب، وهو العدد الكثير من الناس يجمعهم - فى الغالب أصل واحد. والقبائل جمع قبيلة وتمثل جزءا من الشعب، إذ أن الشعب مجموعة من القبائل. قال صاحب الكشاف والشعب الطبقة الأولى من الطبقات الست التى علها العرب. وهى الشعب، والقبيلة، والعمارة، والبطن، والفخذ، والفصيلة.. وسميت الشعوب بذلك، لأن قبائل تشعبت منها.. والمعنى خلقناكم - أيها الناس - من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل { لِتَعَارَفُوۤاْ } أى ليعرف بعضكم نسب بعض، فينتسب كل فرد إلى آبائه، ولتتواصلوا فيما بينكم وتتعاونوا على البر والتقوى، لا ليتفاخر بعضكم على بعض بحسبه أو نسبه أو جاهه. وقوله - سبحانه - { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ } تعليل لما بدل ------------ النهى عن التفاخر بالأنساب. أى إن أرفعكم منزلة عند الله، وأعلاكم عنده - سبحانه - درجة.. هو أكثرهم تقوى وخشية منه - تعالى - فإن أردتم الفخر ففاخروا بالتقوى وبالعمل الصالح. { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ } بكل أحوالكم { خَبِيرٌ } بما ترونه وتعلنونه من أقوال وأفعال. وقد ساق الإِمام ابن كثير - رحمه الله - عند تفسيره لهذه الآية. جملة من الأحاديث التى تنهى عن التفاخر، وتحض على التقوى، فقال فجميع الناس فى الشرف بالنسبة الطينية إلى آدم وحواء سواء، وإنما يتفاضلون بالأمور الدينية، وهى طاعة الله ورسوله.. روى البخارى - بسنده - عن أبى هريرة قال " سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أى الناس أكرم؟ قال " أكرمهم أتقاهم قالوا ليس عن هذا نسألك قال فأكرم الناس يوسف نبى الله، ابن خليل الله، قالوا ليس عن هذا نسألك. قال فعن معادن العرب تسألونى؟ قالوا نعم. قال فخياركم فى الجاهلية خياركم فى الإِسلام إذا فقهوا " ".

السابقالتالي
2