الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ }

وقوله - تعالى - { ٱجْتَنِبُواْ } من الاجتناب يقال اجتنب فلان فلانا إذا ابتعد عنه، حتى لكأنه فى جانب والآخر فى جانب مقابل. والمراد بالظن المنهى عنه هنا الظن السيئ بأهل الخير والصلاح بدون دليل أو برهان. قال بعض العلماء ما ملخصه والظن أنواع منه ما هو واجب، ومنه ما هو محرم، ومنه ما هو مباح. فالمحرم كسوء الظن بالمسلم المستور الحال، الظاهر العدالة، ففى الحديث الشريف " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث.. " وفى حديث آخر " إن الله حرم من المسلم ودمه وعرضه وأن يظن به ظن السوء ". وقلنا كسوء الظن بالمسلم المستور الحال... لأن من يجاهر بارتكاب الخبائث.. لا يحرم سوء الظن به، لأن من عرض نفسه للتهم كان أهلا لسوء الظن به. والظن الواجب يكون فيما تعبدنا الله - تعالى - بعلمه، ولم ينصب عليه دليلا قاطعا، فهنا يجب الظن للوصول إلى المعرفة الصحيحة، كقبول شهادة العدل، وتحرى القبلة.. والظن المباح مثلوا له بالشك فى الصلاة حين استواء الطرفين... وحرمة سوء الظن بالناس، إنما تكون إذا كان لسوء الظن أثر يتعدى إلى الغير، وأما أن تظن شرا لتتقيه، ولا يتعدى أثر ذلك إلى الغير فذلك محمود غير مذموم، وهو محمل ما ورد من أن " من الحزم سوء الظن.. ". أى يا من آمنتم بالله - تعالى - إيمانا حقا، ابتعدوا ابتعادا تاما عن الظنون السيئة بأهل الخير من المؤمنين، لأن هذه الظنون السيئة التى لا تستند إلى دليل أو أمارة صحيحة إنما هى مجرد تهم، تؤدى إلى تولد الشكوك والمفاسد.. فيما بينكم.. وجاء - سبحانه - بلفظ " كثيرا " منكرا لكى يحتاط المسلم فى ظنونه، فيبتعد عما هو محرم منها، ولا يقدم إلا على ما هو واجب أو مباح منها - كما سبق أن أشرنا -. وقوله - سبحانه - { إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنِّ إِثْمٌ } تعليل للأمر باجتناب الظن. والإِثم الذنب الذي يستحق فاعله العقوبة عليه. يقال أثم فلان - كعلم - بأثم إثما فهو آثم إذا ارتكب ذنبا. والمراد بهذا البعض المذموم من الظن ما عبر عنه - سبحانه - قبل ذلك بقوله { ٱجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ ٱلظَّنِّ }. أى إن الكثير من الظنون يؤدى بكم إلى الوقوع فى الذنوب والآثام فابتعدوا عنه. قال ابن كثير ينهى الله عباده المؤمنين عن كثير من الظن، وهو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس من غير محله، لأن بعض ذلك يكون إثما محضا، فليجتنب كثيرا منه احتياطا.. " عن حارثة بن النعمان قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث لازمات لأمتى " الطيرة والحسد وسوء الظن " فقال رجل ما الذى يذهبن يا رسول الله من هن فيه؟ قال " إذا حسدت فاستغفر الله، وإذا ظننت فلا تحقق، وإذا تطيرت فامض " ".

السابقالتالي
2 3