الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ بِئْسَ ٱلاسْمُ ٱلْفُسُوقُ بَعْدَ ٱلإَيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ }

وقد ذكروا فى سبب نزول هذه الآية روايات منها أنها نزلت فى قوم من بنى تميم، سخروا من بلال، وسلمان، وعمار، وخباب.. لما رأوا من رثاثة حالهم، وقلة ذات يدهم. ومن المعروف بين العلماء، أن العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب. وقوله { يَسْخَرْ } من السخرية، وهى احتقار الشخص لغيره بالقول أو بالفعل، يقال سخر فلان من فلان، إذا استهزأ به، وجعله مثار الضحك، ومنه قوله - تعالى - حكاية عن نوح مع قومه.. قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ } قال صاحب الكشاف والقوم الرجال خاصة، لأنهم القوام بأمور النساء.. واختصاص القوم بالرجال صريح فى الآية، وفى قول الشاعر أقوم آل حصن أم نساء. وأما قولهم فى قوم فرعون وقوم عاد هم الذكور والإِناث، فليس لفظ القوم بمتعاطف للفريقين، ولكن قصد ذكر الذكور، وترك ذكر الإِناث لأنهن توابع لرجالهن. أى يا من آمنتم بالله حق الإِيمان، لا يحتقر بعضكم بعضا ولا يستهزئ بعضكم من بعض. وقوله { عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ } تعليل للنهى عن السخرية. أى عسى أن يكون المسخور منه خيرا عند الله - تعالى - من الساخر، إذ أقدار الناس عنده - تعالى - ليست على حسب المظاهر والأحساب.. وإنما هى على حسب قوة الإِيمان، وحسن العمل. وقوله { وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ }. معطوف على النهى السابق، فى ذكر النساء بعد القوم قرينة على أن المراد بالقوم الرجال خاصة. أى عليكم يا معشر الرجال أن تبتعدوا عن احتقار غيركم من الرجال، وعليكن يا جماعة النساء أن تقلعن إقلاعا تاما من السخرية من غيركن. ونكر - سبحانه - لفظ { قَوْمٌ } و { نِسَآءٌ } للإِشعار بأن هذا النهى موجه إلى جميع الرجال والنساء، لأن هذه السخرية منهى عنها بالنسبة للجميع. وقد جاء النهى عن السخرية موجها إلى جماعة الرجال والنساء، جريا على ما كان جاريا فى الغالب، من أن السخرية كانت تقع فى المجامع والمحافل، وكان الكثيرون يشتركون فيها على سبيل التلهى والتلذذ. ثم قال - تعالى - { وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } أى ولا يعب بعضكم بعضا بقول أو إشارة سواء أكان على وجه يضحك أم لا، وسواء كان بحضرة الملموز أم لا، فهو أعم من السخرية التى هى احتقار الغير بحضرته، فالجملة الكريمة من باب عطف العام على الخاص. يقال لمز فلان فلانا، إذا عابه وانتقصه، وفعله من باب ضرب ونصر. ومنهم من يرى أن اللمز ما كان سخرية ولكن على وجه الخفية، وعليه يكون العطف من باب عطف الخاص على العام، مبالغة فى النهى عنه حتى لكأنه جنس آخر.

السابقالتالي
2 3