الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }

وقوله - تعالى - { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ } مبتدأ وخبر، أو { مُّحَمَّدٌ } خبر لمتبدأ محذوف، و { رَّسُولُ ٱللَّهِ } بدل أو عطف بيان من الاسم الشريف. أى هذا الرسول الذى أرسله الله - تعالى - بالهدى ودين الحق، هو محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. { وَٱلَّذِينَ مَعَهُ } وهم أصحابه - وعلى رأسهم من شهد معه صلح الحديبية، وبايعه تحت الشجرة - من صفاتهم أنهم { أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ } أى غلاظ عليهم، وأنهم { رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ }. أى أنهم مع إخوانهم المؤمنين يتوادون ويتعاطفون ويتعاونون على البر والتقوى... وقوله - تعالى - { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ } فيه أسمى التكريم للرسول - صلى الله عليه وسلم - حيث شهد له - سبحانه - بهذه الصفة، وكفى بشهادته - عز وجل - شهادة، وحيث قدم الحديث عنه بأنه أرسله بالهدى ودين الحق، ثم أخر اسمه الشريف على سبيل التنويه بفضله، والتشويق إلى اسمه. وفى وصف أصحابه بأنهم أشداء على الكفار رحماء بينهم، مدح عظيم لهم، وجمع بين الوصفين على سبيل الاحتراس، فهم ليسوا أشداء مطلقا، ولا رحماء مطلقا، وإنما شدتهم على أعدائهم، ورحمتهم لإِخوانكم فى العقيدة، وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى -يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاۤئِمٍ... } قال صاحب الكشاف " وعن الحسن أنه قال " بلغ من تشددهم على الكفار أنهم كانوا يتحرزون من ثيابهم أن تلزق بثيابهم، ومن أبدانهم أن تمس أبدانهم، وبلغ من تراحمهم فيما بينهم، أنه كان لا يرى مؤمن مؤمنا إلا صافحه.. ". وأسمى من هذا كله فى بيان تراحمهم قوله - تعالى -وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ.. } ثم وصفهم بوصف آخر فقال { تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً }. أى تراهم وتشاهدهم - أيها العاقل - راكعين ساجدين محافظين على الصلاة ولا يريدون من وراء ذلك إلا التقرب إلى الله - تعالى - والظفر برضاه وثوابه.. ثم وصفهم بوصف ثالث فقال { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ.. } أى علامتهم وهو نور يجعله الله - تعالى - فى وجوههم يوم القيامة، وحسن سمت يعلو وجوههم وجباهم فى الدنيا، من أثر كثرة سجودهم وطاعتهم لله رب العالمين. فالمقصود بهذه الجملة بيان أن الوضاءة والإِشراق والصفاء.. يعلو وجوههم من كثرة الصلاة والعبادة لله، وليس المقصود أن هناك علامة معينة - كالنكتة التى تكون فى الوجه - كما قد يتبادر إلى بعض الأذهان. واختار - سبحانه - لفظ السجود، لأنه يمثل أعلى درجات العبودية والإِخلاص لله - تعالى -.

السابقالتالي
2 3 4