الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءْيَا بِٱلْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً } * { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً }

قال الآلوسى ما ملخصه " رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى المنام قبل خروجه إلى الحديبية، أنه هو وأصحابه قد دخلوا مكة آمنين، وقد حلقوا وقصروا، فقص الرؤيا على أصحابه، ففرحوا واستبشروا، وظنوا أنهم سيدخلونها فى عامهم هذا، وقالوا إن رؤيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حق، فلما تأخر ذلك قال بعض المنافقين - على سبيل التشكيك والاعتراض - والله ما حلقنا ولا قصرنا، ولا رأينا المسجد الحرام، فنزلت هذه الآية. وقد روى عن عمر - رضى الله عنه - أنه قال نحو ذلك - على سبيل الفهم والاستكشاف - ليزداد يقينه... والصدق يكون بالقول ويكون بالفعل، وما فى الآية صدق بالفعل، وهو التحقيق، أى حقق - سبحانه - للرسول رؤيته.. ". وقوله { بِٱلْحَقِّ } صفة لمصدر محذوف، أى صدقا ملتبسا بالحق، أو بمحذوف على أنه حال من الرؤيا، أى رؤيا ملتبسة بالحق. والمعنى والله لقد أرينا رسولنا محمدا - صلى الله عليه وسلم - الرؤيا الصادقة التى لا تتخلف، ولا يحوم حولها ريب أو شك، وحققنا له ما اشتملت عليه هذه الرؤيا من بشارات سارة، وعطايا كريمة، على حسب ما اقتضته حكمتنا وإرادتنا. وقوله { لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ.. } جواب لقسم محذوف وقوله { آمِنِينَ } وما بعده، حال من فاعل { لَتَدْخُلُنَّ }.. أى والله لتدخلن - أيها المؤمنون - المسجد الحرام فى عامكم المقبل إن شاء الله، حالة كونكم آمنين من كل فزع، وحالة كونكم بعضكم يحلق شعر رأسه كله، وبعضكم يكتفى بقص جزء منه، وحالة كونكم لا تخافون أذى المشركين بعد ذلك. وقوله { إِن شَآءَ ٱللَّهُ } فيه ما فيه من الإِشعار بأن الرؤيا مع صدقها، تحقيقها موكول إلى مشيئة الله - تعالى - وإلى قدرته، لا إلى أحد سواه، وفيه ما فيه من تعليم الناس وإرشادهم إلى أنهم يجب عليهم أن يقولوا ذلك ويعتقدوه عند إرادتهم لفعل من الأفعال، كما قال - تعالى -وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ... } قال بعض العلماء " إن الله - تالى - استثنى فيما يعلم، ليستثنى الخلق فيما لا يعلمون ". ويرى بعضهم أن الاستثناء هنا لتحقيق الخبر وتأكيده. واستدل بعضهم بهذه الآية على أن الحلق غير متعين فى النسك، بل يجزئ عنه التقصير، إلا أن الحلق أفضل، فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن أبى هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " " اللهم اغفر للمحلقين " قالوا يا رسول الله، والمقصرين، قال اللهم اغفر للمحلقين، قالوا يا رسول الله، والمقصرين، قال اللهم اغفر للمحلقين.. ثم قال بعد الثالثة والمقصرين ".

السابقالتالي
2 3