الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً } * { وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَان ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } * { وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ ٱلنَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } * { وَأُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً } * { وَلَوْ قَـٰتَلَكُمُ ٱلَّذِينَ كفَرُواْ لَوَلَّوُاْ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } * { سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } * { وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً }

واللام فى قوله - تعالى - { لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ... } هى الموطئة للقسم، وتسمى هذه البيعة بيعة الرضوان. والشجرة كانت بالحديبية، وقد جلس - صلى الله عليه وسلم - تحتها ليبايع أصحابه على الموت أو على عدم الفرار، فبايعوه على ذلك - ما عدا بعض المنافقين -، وقد كان الناس بعد ذلك يترددون على تلك الشجرة ويصلون تحتها، ويدعون الله - تعالى -.. فأمر عمر - رضى الله عنه - قطعها خشية الافتتان بها. أى والله لقد رضى الله - تعالى - عن المؤمنين الذين بايعوك - أيها الرسول الكريم - تحت الشجرة، على الموت من أجل إعلاء كلمة ربهم. وفى هذه الجملة أسمى وأعلى ما يتمناه إنسان، وهو رضا الله - تعالى - عنه ودخوله فى زمرة العباد الذين ظفروا بمغفرته - سبحانه - ورحمته. قال الآلوسى - رحمه الله - والتعبير بالمضارع لاستحضار صورة هذه المبايعة. وقوله - سبحانه - { تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ } متعلق بيبايعونك.. وفى التقييد بذلك إشارة إلى مزيد وقع تلك المبايعة فى النفوس. ولذا استوجبت رضا الله - تعالى - الذى لا يعادله شئ، ويستتبع ما لا يكاد يخطر على البال. ويكفى فيما ترتب على ذلك ما أخرجه أحمد عن جابر، ومسلم عن أم بشر، عنه، عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال " لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة ". وصح برواية الشيخين وغيرهما فى أولئك المؤمنين من حديث جابر، أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لهم " أنتم خير أهل الأرض.. ". وقوله - تعالى - { فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً } بشارة أخرى لهؤلاء المؤمنين الصادقين. أى لقد رضى - سبحانه - عن الذين بايعوك تحت الشجرة - أيها الرسول الكريم - حيث علم ما فى قلوبهم من الصدق والإِخلاص وإيثار الآخرة على الأولى، فأنزل السكينة والطمأنينة والأمان عليهم، { وَأَثَابَهُمْ } أى وأعطاهم منحهم فتحا قريبا، وهو فتح خيبر، الذى كان بعد صلح الحديبية بأقل من شهرين. وقيل المراد به فتح مكة، والأول أرجح، لأن فتح خيبر لم يكن فتح أقرب منه، ولأن المسلمين قد أصابوا من فتح خيبر غنائم كثيرة. وقد أشار - سبحانه - بعد ذلك إلى تلك الغنائم فقال { وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا... }. أى وأثابكم مغانم كثيرة تأخذونها من خيبر. { وَكَان ٱللَّهُ } - تعالى - وما زال { عَزِيزاً } أى غالبا { حَكِيماً } فى كل أفعاله وأحكامه. { وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا.. } أيها المؤمنون من أعدائكم فى مستقبل أيامكم. وقد صدق الله - تعالى - وعده معهم، فلقد غنموا بعد ذلك من بلاد فارس والروم وغيرهما.

السابقالتالي
2 3