الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } * { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } * { وَيَنصُرَكَ ٱللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً } * { هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوۤاْ إِيمَٰناً مَّعَ إِيمَٰنِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } * { لِّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ ٱللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً } * { وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً } * { وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً }

افتتحت سورة " الفتح " بهذه البشارات السامية، والمدائح العالية للنبى - صلى الله عليه وسلم - افتتحت بقوله - تعالى - { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً }. والفتح فى الأصل إزالة الأغلاق عن الشئ.. وفتح البلد المقصود به الظفر به، ووقوعه تحت سيطرة الفاتح. والذى عليه المحققون من العلماء أن المراد بالفتح هنا صلح الحديبية وما ترتب عليه من خيرات كثيرة، ومنافع جمة للمسلمين. ويشهد لذلك أحاديث متعددة منها ما أخرجه البخارى وأبو داود والنسائى عن ابن مسعود قال أقبلنا من الحديبية مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان قد خرج إليها - صلى الله عليه وسلم - يوم الاثنين هلال ذى القعدة، فأقام بها بضعة عشر يوما، ثم قفل راجعا إلى المدينة، فبينما نحن نسير إلى المدينة إذ أتاه الوحى - وكان إذا أتاه اشتد عليه - فسرى عنه وبه من السرور ما شاء الله، فأخبرنا أنه أنزل عليه { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً }. " وروى الإِمام أحمد وأبو داود عن مجمع بن جارية الأوسى قال شهدنا الحديبية، فلما انصرفنا منها وجدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واقفا عند كراع الغميم - موضع بين مكة والمدينة - وقد جمع الناس وقرأ عليهم { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } الآيات. فقال رجل يا رسول الله، أو فتح هو؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - أي والذى نفسى بيده إنه لفتح ". ويرى بعضهم أن المراد بالفتح هنا فتح مكة، والتعبير عنه بالماضى فى قوله { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } لتحقق الوقوع، فهو من قبيل قوله - تعالى -أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ... } ويبدو لنا أن المراد بالفتح هنا صلح الحديبية لوجود الآثار الصحيحة التى تشهد لذلك، ولأن هذا الصلح قد ترتب عليه من المنافع للدعوة الإِسلامية ما يجعله من أعظم الفتوح، إن لم يكن أعظمها. لقد ترتب عليه أن انتشر الأمان بين المسلمين والمشركين، فاستطاع المسلمون أن ينشروا دعوة الحق فى مكة وفى غيرها، كما استطاعوا أن ينتقلوا من مكان إلى آخر للتبشير بدينهم، فترتب على ذلك أن دخل فى الإِسلام عدد كبير من الناس. قال الزهرى لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية، وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين، فسمعوا كلامهم، وتمكن الإِسلام من قلوبهم، وأسلم خلق كثير، وكثر بهم سواد الإِسلام. قال ابن هشام والدليل على صحة قول الزهرى، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى الحديبية فى ألف وأربعمائة من أصحابه ثم خرج إلى مكة فى عام الفتح - بعد ذلك بسنتين - فى عشرة آلاف من أصحابه.

السابقالتالي
2 3 4 5