الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ } * { سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ } * { وَيُدْخِلُهُمُ ٱلْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ }

والفاء فى قوله - تعالى - { فَإِذَا لَقِيتُمُ } لترتيب ما بعدها من إرشاد المؤمنين إلى ما يجب عليهم فعله عند قتل أعدائهم، على ما قبلها وهو بيان حال الكفار. فالمراد باللقاء هنا القتال لا مجرد اللقاء والرؤية. كما أن المراد بالذين كفروا هنا المشركون وكل من كان على شاكلتهم ممن ليس بيننا وبينهم عهد بل بيننا وبينهم حرب وقتال. وقوله - سبحانه - { فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ } أمر للمؤمنين بما يجب فعله عند لقائهم لأعدائهم. وقوله { فَضَرْبَ } منصوب على أنه مصدر لفعل محذوف. أى فإذا كان حال الذين كفروا كما ذكرت لكم من إحباط أعمالهم بسبب اتباعهم الباطل وإعراضهم عن الحق، فإذا لقيتموهم للقتال، فلا تأخذكم بهم رأفة، بل اضربوا رقابهم ضربا شديدا. والتعبير عن القتل بقوله { فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ } ، لتصويره فى أفظع صوره. ولتهويل أمر القتال، ولإِرشاد المؤمنين إلى ما يجب عليهم فعله. قال صاحب الكشاف قوله { لَقِيتُمُ } من اللقاء وهو الحرب { فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ } أصله فاضربوا الرقاب ضربا، فحذف الفعل وقدم المصدر، فأنيب منابه مضافا إلى المفعول، وفيه اختصار مع إعطاء معنى التوكيد، لأنك تذكر المصدر، وتدل على الفعل بالنصبة التى فيه. وضرب الرقاب عبارة عن القتل.. وذلك أن قتل الإِنسان أكثر ما يكون بضرب رقبته، فوقع عبارة عن القتل، وإن ضرب بغير رقبته من المقاتل. على أن فى هذه العبارة من الغلظة والشدة، ما ليس فى لفظ القتل، لما فيها من تصوير القتل بأشنع صورة، وهو حز العنق، وإطارة العضو الذى هو رأس البدن. وقوله - سبحانه - { حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ } بيان لما يكون من المؤمنين بعد مثل حركة أعدائهم، وإنزال الهزيمة بهم. وقوله { أَثْخَنتُمُوهُمْ } من الإِثخان بمعنى كثرة الجراح، مأخوذ من الشئ الثخين، أى الغليظ، يقال أثخن الجيش فى عدوه، إذا بالغ فى إنزال الجراحة الشديدة به، حتى أضعفه وأزال قوته. والوثاق - بفتح الواو وكسرها - اسم للشئ الذى يوثق به الأسير كالرباط أى عند لقائكم - أيها المؤمنون - لأعدائكم، فاضربوا أعناقهم، فإذا ما تغلبتم عليهم وقهرتموهم، وأنزلتم بهم الجراح التى تجعلهم عاجزين عن مقاومتكم، فأحكموا قيد من أسرتموه منهم، حتى لا يستطيع التفلت أو الهرب منكم. وقوله - سبحانه - { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً } إرشاد لما يفعلونه بعد ذلك. والمن الإِطلاق بغير عوض، يقال مَّن فلان على فلان إذا أنعم عليه بدون مقابل. والفداء ما يقدمه الأسير من أموال أو غيرها لكى يفتدى بها نفسه من الأسر. وقوله { مَنًّا } و { فِدَآءً } منصوبان على المصدرية بفعل محذوف أى فإما تمنون عليهم بعد الأسر منا بأن تطلقوا سراحهم بدون مقابل، وإما أن تفدوا فداء بأن تأخذوا منهم فدية فى مقابل إطلاق سراحهم.

السابقالتالي
2 3 4