الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلْقِتَالُ رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ ٱلْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ فَأَوْلَىٰ لَهُمْ } * { طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ ٱلأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُواْ ٱللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } * { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَتُقَطِّعُوۤاْ أَرْحَامَكُمْ } * { أَوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ } * { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ }

قال الإِمام الرازى ما ملخصه لما بين الله حال المنافق والكافر، والمهتدى المؤمن عند استماع الآيات العلمية، من التوحيد والحشر وغيرهما.. أتبع ذلك ببيان حالهم فى الآيات العملية، فإن المؤمن كان ينتظر ورودها، ويطلب تنزيلها، وإذا تأخر عنه التكليف كان يقول هلا أمرت بشئ من العبادة. والمنافق كان إذا نزلت الآية أو السورة وفيها تكليف كره ذلك.. فذكر - سبحانه - تباين حال الفريقين فى العلم والعمل. فالمنافق لا يفهم العلم ولا يريد العمل، والمؤمن يعلم ويحب العمل. فقوله - تعالى - { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ } حكاية لتطلع المؤمنين الصادقين إلى نزول القرآن، وتشوقهم إلى الاستماع إليه، والعمل بأحكامه. أى ويقول الذين آمنوا إيمانا حقا، لرسوله - صلى الله عليه وسلم - يا رسول الله هلا نزلت سورة جديدة من هذا القرآن الكريم، الذى نحبه ونحب العمل بما فيه من هدايات وآداب وأحكام وجهاد فى سبيل الله - عز وجل -. قوله { فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلْقِتَالُ رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ ٱلْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ.. } بيان لموقف المنافقين من الجهاد فى سبيل الله، وتصوير بديع لما انطوت عليه نفوسهم من جبن خالع. والمراد بقوله { مُّحْكَمَةٌ } أى واضحة المعانى فيما سيقت له من الأمر بالجهاد فى سبيل الله، بحيث لا يوجد مجال لتأويل معناها على الوجه الذى سيقت له. أى هذا هو حال المؤمنين بالنسبة لحبهم للقرآن الكريم، أما حال المنافقين فإنك تراهم إذا ما أنزلت سورة فاصلة بينة تأمر أمرا صريحا بالقتال لإِعلاء كلمة الله تراهم ينظرون إليك كنظر من حضره الموت فصار بصره شاخصا لا يتحرك من شدة الخوف والفزع. والمقصود أنهم يوجهون أبصارهم نحو النبى - صلى الله عليه وسلم - بحدة وهلع، لشدة كراهتهم للقتال معه، إذ فى هذا القتال عز للإِسلام، ونصر للمؤمنين، والمنافقون يبغضون ذلك. فالآية الكريمة ترسم صورة خالدة بليغة لكل نفس لئيمة خوارة، مبتوتة عن الإِيمان، وعن الفطرة السليمة، متجردة عن الحياء الذى يستر مخازيها. وقوله - تعالى - { فَأَوْلَىٰ لَهُمْ } تهديد ووعيد لهم على جبنهم وخبث طويتهم. وقوله { أَوْلَىٰ } يرى بعضهم أنه فعل ماض بمعنى قارب، وفاعله ضمير يعود إلى الموت، أى قاربهم ما يهلكهم وهو الموت الذى يرتعدون منه.. ويرى آخرون أن قوله { أَوْلَىٰ } اسم تفضيل بمعنى أحق وأجدر، وأنه خبر لمبتدأ محذوف، واللام بمعنى الباء. أى فالعقاب والهلاك أولى بهم وأحق وأجدر. ويكون قوله - تعالى - بعد ذلك { طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ } كلام مستأنف والخبر محذوف. أى طاعة وقول معروف منكم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير لكم من هذا السلوك الذميم.

السابقالتالي
2 3